الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | الأشهر الحرم وشهر المحرم والصيام فيه

اليوم : السبت 10 ذو القعدة 1445 هـ – 18 مايو 2024م
ابحث في الموقع

الأشهر الحرم وشهر المحرم والصيام فيه

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى أما بعد،

فيقول الله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 36].

 والأشهر الحرم هي: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب الذي بين جمادى وشعبان كما بينه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان، لأن بعض العرب كانوا يحرمون شهر رمضان ويسمونه رجباً، فعن أبي بكرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَةِ يَوْمَ خَلَقَ السَّموَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا؛ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مَضَرَ، الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ. رواه البخاري مسلم.

 وللأشهر الحرم فضل عظيم عند الله فقد فضلها على سائر الأشهر.

وقول الله تعالى: {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} أي: في هذه الأشهر المحرمة فهي آكد من غيرها.

قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: خص الله من شهور العام أربعة أشهر فجعلهن حرماً وعظم حرماتهن وجعل الذنب فيهن والعمل الصالح والأجر أعظم.

وعن قتادة قال: [ الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزراً من الظلم فيما سواها وإن كان الظلم في كل حال عظيماً ولكن الله يعظم من أمره إن شاء فإن الله تعالى اصطفى صفايا من خلقه اصطفى من الملائكة رسلاً ومن الناس رسلاً واصطفى من الكلام ذكره-جل وعلا-واصطفى من الأرض المساجد واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم واصطفى من الأيام يوم الجمعة واصطفى من الليالي ليلة القدر فعظموا ما عظم الله إنما تعظم الأمور بما عظمها الله عند أهل الفهم والعقل ].

وكان العرب في الجاهلية يحرمون القتال في الأشهر الحرم كما قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 217].

ثم نسخ هذا الحكم بقول الله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36]. كما قال بعض أهل العلم.

وقد حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على صيام الأشهر الحرم فعَنْ مُجِيبَةَ الْبَاهِلِيَّةِ عَنْ أَبِيهَا أَوْ عَمِّهَا أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ انْطَلَقَ فَأَتَاهُ بَعْدَ سَنَةٍ وَقَدْ تَغَيَّرَتْ حَالَتُهُ وَهَيْئَتُهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا تَعْرِفُنِي قَالَ « وَمَنْ أَنْتَ ». قَالَ أَنَا الْبَاهِلِيُّ الَّذِى جِئْتُكَ عَامَ الأَوَّلِ. قَالَ « فَمَا غَيَّرَكَ وَقَدْ كُنْتَ حَسَنَ الْهَيْئَةِ ». قَالَ مَا أَكَلْتُ طَعَامًا إِلاَّ بِلَيْلٍ مُنْذُ فَارَقْتُكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ --صلى الله عليه وسلم-- « لِمَ عَذَّبْتَ نَفْسَكَ ». ثُمَّ قَالَ « صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ وَيَوْمًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ». قَالَ زِدْنِي فَإِنَّ بِي قُوَّةً. قَالَ « صُمْ يَوْمَيْنِ ». قَالَ زِدْنِي. قَالَ « صُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ». قَالَ زِدْنِي. قَالَ « صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ ». وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلاَثَةِ فَضَمَّهَا ثُمَّ أَرْسَلَهَا. رواه أبو داود بسند ضعيف.

وعن ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْم فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلاَّ هذَا الْيَوْمَ، يَوْمَ عَاشُورَاءَ؛ وَهذَا الشَّهْرَ، يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ. رواه البخاري

وعَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ قَالَ الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ قِيلَ أَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ رَمَضَانَ قَالَ شَهْرُ اللَّهِ الَّذِي تَدْعُونَهُ الْمُحَرَّمَ '. رواه أحمد بسند صحيح.

والظاهر أن المراد جميع شهر المحرم كما يقول القاري فقد أضاف الشّهر إلى الله وهو إضافة تعظيم.

وقد ثبت إكثار النبي -صلى الله عليه وسلم- من الصوم في شعبان، ولم يثبت عنه في المحرم ولعله لم يوح إليه بفضل المحرّم إلا في آخر الحياة قبل التمكّن من صومه كما قال النووي في شرحه على صحيح مسلم).

 وثبت أنّ النبي لم يصم شهراً كاملاً قطّ غير رمضان فيُحمل هذا الحديث على الترغيب في الإكثار من الصّيام في شهر محرم لا صومه كله.

وقد قال جماعة من الفقهاء إن الدية تغلظ على من قتل في الأشهر الحرم خطأ. قال الإمام الشافعي: [تغلظ الدية في النفس وفي الجراح في الشهر الحرام وفي البلد الحرام وذوي الرحم].

وقد سمي شهر المحرم بشهر الله المحرم دون غيره من الشهور مع أن شهر رمضان أفضل منه والسبب في ذلك أن هذا الاسم إسلامي دون سائر الشهور، فإن أسماءها كلها على ما كانت عليه في الجاهلية، وكان اسم المحرم في الجاهلية صفر الأول، والذي بعده صفر الثاني، فلما جاء الإسلام سماه الله المحرم، فأضيف إلى الله تعالى بهذا الاعتبار، كما قال السيوطي رحمه الله.

فعلى المسلم أن يستثمر وقته في طاعة الله تعالى وخاصة في الأيام المباركة والأشهر المباركة. وبالله التوفيق وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

                               الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية