الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
فيقول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} (62) سورة الفرقان .
مضى عام هجري، طويت صفحاته، وانقضت أيامه، أفراح وأحزان ومواعظ وعبر، مضى العام ليكون شاهدا إما لك أو عليك، وسترى كل شيء من خير ومن شر، قال الله تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} (49) سورة الكهف.
وعلى العبد المؤمن أن يقف مع نفسه فيحاسبها على كل عمل، وعلى كل كلمة، وعلى كل شيء أنفقه.
حاسب نفسك مع نهاية العام، وسل نفسك، هل أديت الصلوات في جماعة المسجد؟ أو كنت من الغافلين كما ذكر الله تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } (59) سورة مريم.
هل صمت رمضان، وحججت البيت؟ هل أديت زكاة مالك، وهل كنت باراً بوالديك؟ هل أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر؟ هل رحمت الأرمل والمسكين؟ هل ابتعدت عن الحرام.
سل نفسك ذلك، وتذكر قول حبيبك صلى الله عليه وسلم فيما رواه شَدَّاد بْن أَوْسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ المَوْتِ، وَالعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ». ] رواه الترمذي بسند ضعيف (4/ 638) رقم 2459[.
إن ما مضى هو من أعمارنا، كما قال الحسن البصري رحمه الله: يا بن آدم إنما أنت أيامٌ مجموعة، كلما ذهب يوم، ذهب بعضك.
وقال عليٌ رضي الله عنه: ألا إن الدنيا قد ولت مدبرة، والآخرة قد أسرعت مقبلة، ولكل واحدةٍ منهن بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا؛ فإن اليوم عملٌ ولا حساب، وغداً حسابٌ ولا عمل.
وقبل ذلك كله تذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي، فَقَالَ: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ» وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ، يَقُولُ: «إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ». ]رواه البخاري(8/ 89) رقم 6416[.
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: ' اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ. رواه الحاكم بسند صحيح: المستدرك](4/ 341) رقم 7846[.
فلا بد أن تضع لنفسك برنامجا تسير عليه، فتقوم بواجبك نحو الله، ونحو عباده، فاتخذ لك وردا من القرآن الكريم، ومن الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحافظ على الجمعة، والجماعة، وازهد في الدنيا، وكن مع الله يكن الله معك. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الشيخ عبد الباري بن محمد خلة