الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | المثبطون في حياة الداعية

اليوم : الأحد 11 ذو القعدة 1445 هـ – 19 مايو 2024م
ابحث في الموقع

المثبطون في حياة الداعية

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فيقول الله تعالى: { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } فصلت/33

ويقف المنافقون المثبطون قديما وحديثا أمام الدعاة لصدهم عن القيام بالدعوة إلى الله فقد وقفوا من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه موقفا سلبيا وقالوا لا تجاهدوا في سبيل الله فإن الجو حار قال الله تعالى: { وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ } التوبة/81

ومرة قال المثبطون معترضين على المؤمنين الذين قاتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لو سمعوا كلامنا ما قتلوا، قال الله تعالى: {  الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } آل عمران/168 .

وهكذا قالوا لا تذهبوا للقتال في سبيل الله فإن أهل مكة أقوياء مع الأحزاب ولا طاقة لكم بهم قال الله تعالى: { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } آل عمران آية 173

ومن مداخل المثبطين وسلوكياتهم الخاطئة حمل الناس على اليأس وأنه لا يمكن التغيير وماذا يفعل الدعاة والمصلحون اليوم في ظل الفساد والقوى الدولية وغفلوا أن الدعوة إلى الله تعالى فريضة إسلامية قال الله تعالى : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ....} آل عمران آية 110 , وقال الله تعالى : { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } آل عمران آية 104

وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ) رواه البخاري.

وعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ , لَتَأمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ , وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ , أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ , ثُمَّ تَدْعُونَهُ فلَا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ ) رواه الترمذي بسند حسن .

ومن المثبطين من يتهم الناس بالتقصير والهلاك وهذا باطل وقد حاربه النبي صلى الله عليه وسلم فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ ) رواه مسلم.

ولا ينبغي للمسلم أن يلتفت إلى أصوات المثبطين وعليه أن يمضي إلى الله مستعينا به مسترشدا بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

إن وقوف المثبطين أمام الدعاة قد يؤثر عليهم وخاصة الصغار منهم فكم مرَّة توقف بعضهم عن إلقاء الدروس من كثرة ما يؤذون به من كلام وكم مرَّة تركوا العمل بسب المُحبطين؟

وهذا الصِّنْف من الناس من أخطر المثبطين لكونهم إمعات يريدون الدعاة مثلهم يقول الله تعالى عن المنافقين: ﴿ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾ التوبة: 47، فالخطورة: ﴿ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ﴾ التوبة: 47؛ أيْ: هناك مَن يتأثَّر بقولِهم.

وعلاج المشكلة التي يحدثها المثبطون تكمن في أمور:

1 – الابتعاد عن المثبِّطين وعدم الجلوس معهم، فهم كنافخ الكير ربما يحرق ثيابك أو تشم منه ريحا خبيثة كما في الحديث عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً رواه البخاري.

ونافخ الكير ضرَرُه مُتعدٍّ، وكذلك المثبِّط؛ والسلامة في الابتعاد عنه.

2 – عدم السماع لهم يروى أنه قد أُعلن مرة عن مسابقةٍ بين الضفادع في تسلُّق برجٍ عالٍ، والعودة بالعلَم الموجود، فتزاحمَ المتسابقون، وانطلقَ جميعهم في همة عالية، وبعدَ فترة بدأوا يتَساقطون، وهتف الجمهور من المثبطين ارحموا أنفسكم، برج عالٍ لا تستطيعون فسمع من سمع ورجع وأصابه اليأس ولَم يبقَ إلاَّ عدد قليل بدأ ثم تراجع ولم يَصعد إلاَّ ضفدع واحد، وقد فاز أعلمتم لماذا فاز؟

لأنه أصم لا يسمع ولو سمع ربما أصابه ما أصاب أقرانه

3 - رفض الرسائل السلبيَّة، والإحباطات النفسيَّة وليكن ذلك منهجًا للتعامل مع المثبِّطين وكن واثقًا بالله مُحسِن الظنِّ به.

وعندما أمرَ الله موسى - عليه السَّلام - بالخروج ليلاً مع بني إسرائيل، وتبِعَه فرعون فقال المثبطون إنا لمدركون أدركنا فرعون وقومه فقال الواثق بربه كلا قال الله تعالى على لسان موسى عليه السلام:﴿ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 62]، خمس كلمات بدأَها بـ﴿ كَلَّا ﴾، إنَّه الرفض

4 – تحويل من الشر إلى الخير وهكذا الداعية يحول مسار الشر إلى مسار الخير ففي قصة الإفك حيث اتُّهِمت الطاهرة العفيفة عائشةُ - رضي الله عنها - زوجُ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - زُورًا وبُهتانًا، فتحول الشر إلى خير قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [النور: 11]

فلا بد من التحويل: المِحْنة إلى المِنْحة

لقد وبَّخَ الله سبحانه وتعالى هذا الصنف من الناس، فهم مثبطون قال الله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19) يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20) الأحزاب: 18 - 20

فكن مفتاحا للخير مغلاقا للشر فعن أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنْ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ وَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ. رواه ابن ماجة بسند حسن.

وهكذا فإن الداعية يسير إلى الله بخطى على هدي النبي صلي الله عليه وسلم بعيدا عن المنافقين المثبطين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

                              الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية