الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | التوفيق بين حديث الْقُضَاةُ ثَلاَثَةٌ وحديث إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ

اليوم : الأربعاء 15 شوَّال 1445 هـ – 24 أبريل 2024م
ابحث في الموقع

التوفيق بين حديث الْقُضَاةُ ثَلاَثَةٌ وحديث إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ

كيف نوفق بين الحديثين التاليين: (الْقُضَاةُ ثَلاَثَةٌ وَاحِدٌ فِى الْجَنَّةِ وَاثْنَانِ فِى النَّارِ)(إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ).

- كيف نوفق بين الحديثين؟ وهل هذا الاختلاف يؤدي إلى يخل في المعنى؟

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فالقاعدة أن الجمع بين النصوص أولى ما لم يتعذر الجمع

والجمع مقدَّم على الترجيح'، والإعمال أولى من الإهمال'.

فإعمال النصوص كلها مقدم على العمل ببعضها.

فإذا تعارض حديثان، أو آيتان، تعارضا ظاهريا فلا بد من حل هذا التعارض بالطرق المشروعة وأولها وأهمها الجمع بين النصوص ويحتاج ذلك إلى علماء مهرة في هذا الجانب

قال ابن حزم في كتابه الإحكام: ' إذا تعارض الحديثان، أو الآيتان، أو الآية والحديث، فيما يَظنُّ من لا يَعْلَم، ففرضٌ على كلِّ مسلمٍ استعمالُ كلِّ ذلك، لأنه ليس بعض ذلك أولى بالاستعمال من بعض، ولا حديث بأوجب من حديث آخر مثله، ولا آية أولى بالطاعة لها من آية أخرى مثلها، وكلٌّ من عند الله عز وجل، وكلٌّ سواء في باب وجوب الطاعة والاستعمال ولا فرق '.

وقال الحافظ ابن حجر: ' الجمع أولى من الترجيح، باتفاق أهل الأصول '.

وتجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد تعارض حقيقي بين النصوص، وإذا بدا تعارض بين نصين فإنما هو تعارض ظاهري، لأن الشارع الحكيم لا يمكن أن يصدر عنه نصان متناقضان في قضية واحدة

ونأتي الآن إلى الجمع بين الحديثين المذكورين:

الحديث الأول: عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الْقُضَاةُ ثَلاَثَةٌ وَاحِدٌ فِى الْجَنَّةِ وَاثْنَانِ فِى النَّارِ فَأَمَّا الَّذِى فِى الْجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فِى الْحُكْمِ فَهُوَ فِى النَّارِ وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِى النَّارِ ». رواه أبو داود بسند صحيح.

الحديث الثاني: عن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ. رواه البخاري

ومعنى الحديث الأول: أن المسلم لا بد أن يعرف الحق ويقضي به فمن قضي بالعلم والعدل دخل الجنة وهذا هو القاضي الأول.

ولا ينبغي لأحد أن يحكم من غير علم ومن قضى بين الناس بغير علم فله النار وهذا هو القاضي الثاني.

ولا ينبغي للمسلم أن يقضي بالهوى فمن حكم بالهوى أو الرشوة وظلم في حكمه فله النار وهذا هو القاضي الثالث.

وكما هو ظاهر أن الحديث يتحدث عن أنواع القضاة ومعلوم أن القاضي له نصوص مكتوبة يسير عليها.

ومعنى الحديث الثاني: أن من كان عالما بأحكام الشريعة وعرضت له نازلة من النوازل أو مسألة لم تقع من قبل وجب على فقهاء الأمة أن يجتهدوا فيها باستعمال وسائل وطرق الاجتهاد ومنا القياس وغيره فمن اجتهد من الفقهاء في المسألة وأصاب حكم الله فيها فله أجران: أجر على اجتهاده وأجر على إصابته الحق.

ومن اجتهد من الفقهاء فاخطأ من غير قصد الخطأ فله أجر على بذله الوسع في الاجتهاد.  

فهذا كما ترى في العالم الذي لا يألو جهدا في إظهار الحق لكن قد لا يحالفه الصواب لكونه بشرا يخطئ ويصيب لكنه لا يتعمد الخطأ ولا يأخذ الرشوة ولا يقصد الظلم.

وكما تري فإن هذا الحيث يخص الحكام والمجتهدين فيما يعرض لهم من قضايا لا نص فيها

والخلاصة أن الحديث الأول له معنى يختلف عن الحديث الثاني فالحديث الأول فيمن كان قاضيا بين اثنين فإن كان يقضي بعلم ولم يظلم فله الجنة وإن بعلم وجار فله النار وإن كان جاهلا فحكم به ففي النار.

أما الحديث الثاني فهو في حق العالم المجتهد في القضايا المستجدة فيجتهد بها ليصل إلى الحكم الحق ولا يقصد إلا الحق فهذا مأجور أخطأ أم أصاب وكذا الحاكم في القضايا المصيرية التي لا نص فيها كقضية الحرب والسلم.

والله أسأل أن يغفر لعلمائنا وقضاتنا ومجتهدينا والمسلمين أجمعين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

                             الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية