الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | البدعة

اليوم : الجمعة 17 شوَّال 1445 هـ – 26 أبريل 2024م
ابحث في الموقع

البدعة

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فالإسلام اتباع لا ابتداع، فإنه تام كامل لا يحتاج إلى إضافة، قال تعالى: ﴿...الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا…﴾ [سورة المائدة، الآية 3] ولا يجوز التقرب إلى الله إلا بما شرَّع

والبدعة لغة: ما أحدث على غير مثال سابق.

أما في الاصطلاح فهي:

 قال الشاطبي: البدعة هي: [طريقة في الدين مُخترَعة].

- قال ابن رجب الحنبلي: [ما أُحدِث ممّا لا أصل له في الشريعة يدل عليه].

- قال ابن حجر العسقلاني: [ما أُحدث على غير مثال سابق، وتطلق في الشرع في مقابل السنة فتكون مذمومة].

وكل بدعة ضلالة مردودة، سواء في العبادات أو الاعتقادات كلها محرمة، ولكن التحريم يتفاوت فمن البدع ما هو كفر صراح، كالطواف بالقبور تقربا إلى أصحابها.

وكأقوال غلاة الجهمية والمعتزلة ومنها ما هو فسق اعتقادي كبدعة الخوارج والقدرية والمرجئة في أقوالهم واعتقاداتهم المخالفة.

ويرى بعض العلماء أن البدعة تنقسم إلى قسمين: بدعة حسنة وبدعة سيئة ويرى فريق آخر أن كل بدعة ضلالة ولا يجوز هذا التقسيم لقوله صلى الله عليه وسلم: «كل بدعة ضلالة»

واستدل من قسم البدعة إلى حسنة وسيئة بقول عمر رضي الله عنه في صلاة التراويح: (نعمت البدعة هذه).

وبجمع القرآن في مصحف واحد.

لكن الصواب أن البدعة كلها محرمة لأن ما فعله عمر كان بإقرار الصحابة وأصل صلاة التراويح مشروعة

وعندما قال عمر (نعمت البدعة) أراد بها البدعة اللغوية لا الشرعية، وقد زاد عثمان بن عفان في خلافته الأذان الأول يوم الجمعة ولم يعترض عليه أحد فكان إجماعا لأن أصل الأذان موجود فزاد الأذان الأول لعلة وهو كثرة الناس وتفرقهم

نماذج من البدع المقبولة:

- صلاة التراويح جعلها عمر بن الخطاب جماعة بعدما كانت فردية، وقال بشأنها: [نعمت البدعة هذه].

- جمع القرآن الكريم في كتاب واحد وكتابة الحديث وغير ذلك مما فعلوه موافقا لأصل الدين.

وكل بدعة ضلالة مردودة، سواء في العبادات أو الاعتقادات كلها محرمة، ولكن التحريم يتفاوت فمن البدع ما هو كفر صراح، كالطواف بالقبور تقربا إلى أصحابها.

وكأقوال غلاة الجهمية والمعتزلة ومنها ما هو فسق اعتقادي كبدعة الخوارج والقدرية والمرجئة في أقوالهم واعتقاداتهم المخالفة.

نماذج من البدع المنكرة:

- اتخاذ القبور مساجد، فعن عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ فِي مَرضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: (لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ قَالَتْ: وَلَوْلاَ ذلِكَ لأبْرَزُوا قَبْرَهُ، غَيْرَ أَنِّي أَخْشى أَنْ يُتَّخَذَ مِسْجِدًا). رواه البخاري.

- الذبيحة على البيوت لحفظها من الأذى.

- البكاء الصاخب عند زيارة القبور.

وكل البدع محرمة لأن الدين قد اكتمل وقد حذر النبي ﷺ من البدع، فعَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ. رواه الترمذي بسند صحيح.

وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ وَيَقُولُ بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَيَقُولُ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ. رواه مسلم.

قال ابن حجر رحمه الله على كل بدعة ضلالة: ( وهذه الجملة قاعدة شرعية فكل بدعة ضلالة فلا تكون من الشرع لأن الشرع كله هدي، وأما حديث عائشة رضي الله عنها فمن جوامع الكلم وهو ميزان للأعمال الظاهرة، والمبتدع عمله مردود ولأهل العلم فيه قولان: الأول: أن عمله مردود عليه، والثاني: أن المبتدع رد أمر الله لأنه نصب نفسه مضاهياً لأحكم الحاكمين فشرع في الدين ما لم يأذن به الله ).

وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: ( اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم ) رواه الطبراني والدارمي بإسناد صحيح.

 وقال عبدالله بن عمر رضي الله عنه: ( كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة ) أخرجه الدارمي بإسناد صحيح.

وقد أنكر ابن مسعود على قوم جالسين في المسجد ومع كل واحد منهم حصاً وبينهم رجل يقول: كبروا مائة، فيكبرون، فعن عَمْرُو بْن يَحْيَى قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ فَإِذَا خَرَجَ مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ فَقَالَ أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَعْدُ قُلْنَا لَا فَجَلَسَ مَعَنَا حَتَّى خَرَجَ فَلَمَّا خَرَجَ قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفًا أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ وَلَمْ أَرَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ إِلَّا خَيْرًا قَالَ فَمَا هُوَ فَقَالَ إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ قَالَ رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ وَفِي أَيْدِيهِمْ حَصًى فَيَقُولُ كَبِّرُوا مِائَةً فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً فَيَقُولُ هَلِّلُوا مِائَةً فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً وَيَقُولُ سَبِّحُوا مِائَةً فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً قَالَ فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ قَالَ مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا انْتِظَارَ رَأْيِكَ وَانْتِظَارَ أَمْرِكَ قَالَ أَفَلَا أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ قَالُوا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَصًى نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ قَالَ فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ أَوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلَالَةٍ قَالُوا وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ قَالَ وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدثنا أَنَّ قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ وَايْمُ اللَّهِ مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ رواه الدارمي بسند جيد

وقال الإمام مالك رحمه الله: ( من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة لأن الله يقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً [المائدة:3] فما لم يكن يومئذ ديناً لا يكون اليوم ديناً ).

وقال الإمام الشافعي رحمه الله: ( من استحسن فقد شرع )

 وقال الإمام أحمد رحمه الله: ( أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله والاقتداء بهم وترك البدعة وكل بدعة ضلالة ).

خطر البدع

1.    عمله مردود عليه.

2.    تحجب عنه التوبة ما دام مصراً على بدعته.

3.    لا يرد حوض النبي .

4.    عليه إثم من عمل ببدعته إلى يوم القيامة.

5.    صاحب البدعة ملعون.

6.    صاحب البدعة لا يزداد من الله إلا بعداً.

7.    البدعة تميت السنة.

8.    البدعة سبب الهلاك.

9.    البدعة تفتح باب الخلاف الذي لم يُبنَ على دليل بل على الأهواء.

من أسباب الابتداع

1.       الجهل بالسنة المطهرة والجهل بعلوم الحديث

2.       اتخاذ الناس رؤساء جهالاً يقومون بالفتوى والتعليم ويقولون في دين الله بغير علم.

3.       عادات وخرافات لا يدل عليها شرع ولا يقرها عقل مثل بدع الموالد والمآتم وغيرها.

4.       اعتقاد العصمة في الأئمة المجتهدين، وإعطاء الشيوخ قداسة تقارب منازل الأنبياء.

5.       اتباع المتشابه من الآيات والأحاديث وعدم ردها إلى المحكم.

6.       التشبه بالكفار وتقليدهم: فعن أبي سعيد: ' لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ ' قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى ؟ قَالَ : ' فَمَنْ ' متفق عليه

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

                                الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

 

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية