الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | التثبت في نقل الأخبار والبعد عن الإشاعة

اليوم : الثلاثاء 28 شوَّال 1445 هـ – 07 مايو 2024م
ابحث في الموقع

التثبت في نقل الأخبار والبعد عن الإشاعة

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

ففي وقت الفتن تنشط الدعاية ويأتي دور الإِشاعة فتكون الطامة والندامة

مع أن التثبت مطلوب شرعا قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين َ) الحجرات:6، وقرئ: ( فتثبتوا)

وسبب نزول هذه الآية أن النبي ﷺ بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق ليجمع الصدقات، ولما رأوه فرحوا، وخرجوا لاستقباله فوقع في نفسه أنهم يريدون قتله لثأر كان بينهم في الجاهلية فرجع، وقال: يا رسول الله: إن بني المصطلق منعوا الصدقة وأرادوا قتلي، فغضب رسول الله ﷺ من ذلك، وبينما هو يحدث نفسه أن يغزوهم إذ أتوه وقالوا: يا رسول الله: إنا حُدثنا أن رسولك رجع من نصف الطريق، وإنا خشينا أن يكون إنما رده كتاب جاءه منك لغضب غضبته علينا، وإنا نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله !

وأن رسول الله استعتبهم، وهمّ بهم، فأنزل الله عز وجل عذرهم في الكتاب: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين } الحجرات:6.

يقول الحسن البصري: 'المؤمن وقاف حتى يتبين'.

وقد حذر النبيﷺ من نقل الأخبار من غير ترو فعَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ رواه مسلم.

وعَن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ. رواه الترمذي بسند صحيح.

وعن الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ، وَمَنعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ. رواه البخاري.

قال الحافظ ابن حجر: (قَوْله: ( وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ )...... قَالَ الْمُحِبّ الطَّبَرِيُّ: '. . وفي معني الحديث ثلاثة أوجه:

أولها: الإِشَارَة إِلَى كَرَاهَة كَثْرَة الْكَلام لأَنَّهَا تُؤَوِّل إِلَى الْخَطَأ...

ثَانِيهَا: إِرَادَة حِكَايَة أَقَاوِيل النَّاس وَالْبَحْث عَنْهَا.

ثَالِثهَا: أَنَّ ذَلِكَ فِي حِكَايَة الاخْتِلاف فِي أُمُور الدِّين

وعَنْ أَبِى قِلاَبَةَ قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ لأَبِى عَبْدِ اللَّهِ أَوْ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لأَبِى مَسْعُودٍ مَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ فِى « زَعَمُوا ». قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا ». رواه أبو داود بسند صحيح.

قال العظيم آبادي: ' ( بِئْسَ مَطِيَّة الرَّجُل ): الْمَطِيَّة بِمَعْنَى الْمَرْكُوب (زَعَمُوا): الزَّعْم قَرِيب مِنْ الظَّنّ أَيْ أَسْوَأ عَادَة لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَّخِذ لَفْظ زَعَمُوا مَرْكَبًا إِلَى مَقَاصِده فَيُخْبِر عَنْ أَمْر تَقْلِيدًا مِنْ غَيْر تَثَبُّت فَيُخْطِئ وَيُجَرَّب عَلَيْهِ الْكَذِب قَالَهُ الْمَنَاوِيُّ.

وقد حرص الصحابة على التثبت والبعد عن الإشاعة فقد قال عمر رضي الله عنه: ( إياكم والفتن فإن وقع اللسان فيها مثل وقع السيف ).

وقد هاجر الصحابة إلى الحبشة، ولما أُشيع إسلام قريش رجع بعضهم إلى مكة ففوجئوا بكذب الخبر ولاقوا من قريش ما لاقوا وكان ذلك بسبب الإِشاعة.

وفي غزوة أحد أشاع المنافقون خبر مقتل النبي ﷺ، فانكفأ الجيش وكل ذلك من الإِشاعة.

ولعل من أفظع الإشاعات التي أدارها المنافقون هي حادثة الإِفك حيث اتهمت السيدة عائشة العفيفة البريئة بالفاحشة وشارك بعض الصحابة في ذلك ووقع الرسول ﷺ في أزمة خانقة بسبب الإِشاعة.

وهنا لا بد من بيان المنهج الصحيح في التعامل مع الأخبار؟

أولا: التروي في نقل الخبر:

وعن ابْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّأنِّي مِنْ اللَّهِ وَالْعَجَلَةُ مِنْ الشَّيْطَانِ رواه الترمذي بسند حسن

 ثانيا: التثبت في نقل الخبر: قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين َ) وفي قراءة (فتثبتوا) الحجرات:6.

والإشاعة خطرها عظيم فكم دمرت من مجتمعات وهدمت من أسر، كم أحزنت من قلوب، وأورثت من حسرات فخطرها يتعدى الفرد إلى المجتمع حيث تعمل على:

1.    هدم الدين وزعزعت الأمن القومي للمجتمع.

2.    تدمير المجتمع وتفتيت الصف المسلم، وبث الفُرْقة بين أفراده.

3.    الحرب النفسية الخطيرة التي تسبب في ضعف الجبهة الداخلية.

وكثير كثير هي مخاطر الكذب ونقل الأخبار الكاذبة وبث الإشاعة بين الناس {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)} [النور: 63]

والله أسأل أن يرد المسلمين إلى دينهم ردا جميلا وأن يلبسهم ثوب الصدق والأمانة وأن يبعد عنهم شر الإشاعة ونقل الأخبار وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. والله أعلى وأعلم.

                                  الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية