الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | حكم الزوج الذي يرفض الإنجاب من زوجته الثانية.

اليوم : السبت 18 شوَّال 1445 هـ – 27 أبريل 2024م
ابحث في الموقع

حكم الزوج الذي يرفض الإنجاب من زوجته الثانية.

وماذا تفعل المرأة في هذا الخصوص، وكيف تقنعه، وهل يمكن التدخل؟

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فالزواج في الإسلام هو إقامة مؤسسة أسرية تكون نواة في المجتمع.

وللزواج في الإسلام حكم عظيمة ومقاصد كثيرة، ومن أهم هذه المقاصد:

1-  طاعة الله ورسوله:

قال الله تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ)(النساء: من الآية 3)

وقال الله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (النور:32)

 وقال الله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ)(النساء: من الآية 25)

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ. رواه مسلم

وعَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ رواه ابن ماجة بسند حسن.

2-  الزواج من هدي المرسلين وفيه اتباع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم:

قال الله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً )(الرعد: من الآية 38)

والتبتل ليس من الدين فعن أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِالْبَاءَةِ وَيَنْهَى عن التَّبَتُّلِ نَهْيًا شَدِيدًا وَيَقُولُ تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ إِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. رواه أحمد بسند صحيح.

وعن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ رَدَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبتُّلَ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لاَخْتَصَيْنَا. رواه البخاري.

3-  إشباع الغريزة ومسايرة الفطرة وإعفاف الزوجة:

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ. رواه مسلم.

4-  تكثير عدد المسلمين، ومباهاة النبي صلى الله عليه وسلم بهم يوم القيامة:

عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ إِنِّى أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ وَإِنَّهَا لاَ تَلِدُ أَفَأَتَزَوَّجُهَا قَالَ « لاَ ». ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ « تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّى مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ ». رواه أبو داود بسند حسن.

وقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:' مَا آتِي النِّسَاءَ لِشَهْوَةٍ، وَلَوْلا الْوَلَدُ مَا آتِي النِّسَاءَ ' .

 وعنه أيضا: 'إني لأكره نفسي على الجماع كي تخرج مني نسمة تسبح الله تعالى'.

5-  طلب الذرية وتحقيق وسيلة الجهاد:

فإذا رزق المسلم بولد وحد الله وحمل اسمه وجاهد في سبيل الله فكان ذلك في صحيفة عمله فعن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلَام لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى مِائَةِ امْرَأَةٍ أَوْ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ كُلُّهُنَّ يَأْتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَمْ يَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ. رواه البخاري.

وعليه فالإنجاب حق للزوجين فكما يتمنى الزوج ولدا يحمل اسمه ويملأ البيت فرحا وسرورا كذا الزوجة تتمنى ولدا تأنس به ينسجم وفطرتها لذا يحرم على الزوج أن يمنع زوجته من تحقيق هدف سام لها وهو إنجاب الذرية.

وبشكل عام يحرم على الزوج أن يمنع نفسه من الإنجاب في الحالات الطبيعية ويجوز له التنظيم أما التحديد فلا يجوز ومن باب أولى عدم الإنجاب بالكلية.

وهل تستمر في زواجها أم تطلب الطلاق من أجل غريزة الأمومة؟

أنصح الزوجة في مثل هذه الأحوال أن تصبر وتحتسب أمرها عند الله وتنصحه وتتودد إليه، ولا أنصح بالطلاق، وسلي الله يعطك ويرقق قلب زوجك ويستجب لك وما عند الله خير وأبقى.

فإن كرهت البقاء معه لهذا السبب فلا حرج عليك أن تطلبي الطلاق أو الخلع وعلى الزوج أن يستجيب للطلب وأن يفارق بالمعروف وكما قال الله تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130)} [النساء: 130]

وهل يجوز شرعا للمرأة عند الزواج من الرجل أن تضع شروطا في عقد الزواج بعدم اجبارها على عدم الانجاب؟

يجوز للزوجة أن تشرط على زوجها عند العقد أن لا يمنعها من الإنجاب

وكما يقول الفقهاء: الأصل في الشروط الجواز سواء في البيع أم في النكاح

وما يشترطه الزوجان في عقد النكاح صحيح يجب الوفاء به قال الله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة آية 1

وعن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ. رواه البخاري.

وعن عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا. رواه الترمذي بسند صحيح.

وعن عَائِشَةَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَا بَالُ أُنَاسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كَتَابِ اللهِ، مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَلَيْسَ لَهُ، وَإِنْ شَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ، شَرْطُ اللهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ. رواه البخاري.

فإذا شرطت الزوجة على زوجها شرطا حلالا لا يتنافى ومقاصد العقد صح العقد والشرط ووجب الوفاء به فإذا شرطت الزوجة على زوجها أن لا يمنعها من الإنجاب ووافق عليه وجب عليه الوفاء به فإن أخل بالشرط كأن منعها من الإنجاب فمن حقها أن تفسخ العقد بأمر القاضي. والله أعلى وأعلم.

                                   الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية