الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | التعامل بالرفق

اليوم : الأحد 11 ذو القعدة 1445 هـ – 19 مايو 2024م
ابحث في الموقع

التعامل بالرفق

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فيقول الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران:159)

الرفق خلق الأنبياء، وصفة من صفات الصالحين، أمر الله أنبياءه به في أكثر ما آية قال الله تعالى لموسى وهارون: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) } [طه: 43 - 45]

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِى عَلَيْهِ مَا لاَ يُعْطِى عَلَى الْعُنْفِ ». رواه أبو داود بسند صحيح

وعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - عَنِ الْبَدَاوَةِ فَقَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَبْدُو إِلَى هَذِهِ التِّلاَعِ وَإِنَّهُ أَرَادَ الْبَدَاوَةَ مَرَّةً فَأَرْسَلَ إِلَىَّ نَاقَةً مُحَرَّمَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَقَالَ لِي « يَا عَائِشَةُ ارْفُقِي فَإِنَّ الرِّفْقَ لَمْ يَكُنْ فِي شَىْءٍ قَطُّ إِلاَّ زَانَهُ وَلاَ نُزِعَ مِنْ شَىْءٍ قَطُّ إِلاَّ شَانَهُ ». رواه أبو داود بسند صحيح

 فالرفق هو لين الجانب قولا وفعلا، والأخذ بالسهل، لا بالعنف.

قال الإمام الغزالي-رحمه الله-: 'اعلم أن الرفق محمود ويضاده العنف والحدة، والعنف نتيجة الغضب والفظاظة، والرفق واللين نتيجة حسن الخلق والسلامة'.

وقال سفيان الثوري-رحمه الله-لأصحابه :'أتدرون ما الرفق؟' قالوا: قل يا أبا محمد. قال: أن تضع الأمور في مواضعها: الشدة في موضعها، واللين في موضعه، والسيف في موضعه، والسوط في موضعه.

وعن أبي عون الأنصاري قال: 'ما تكلم الناس بكلمة صعبة إلا وإلى جانبها كلمة ألين منها تجري مجراها'.

وقال بعضهم: 'ما أحسن الإيمان يزينه العلم، وما أحسن العلم يزينه العمل، وما أحسن العمل يزينه الرفق، وما أضيف شيء إلى شيء مثل حلم إلى علم'.

والرفق مهم في حياة المسلم، فبه ترتاح النفوس، ويحصل المطلوب وتتحقق الأمور.

وما أجمل قول المأمون حين أغلظ عليه أحدهم فقال له: يا رجل ارفق فقد بعث الله من هو خير منك إلى من هو شر مني وأمره بالرفق، فقد بعث موسى إلى فرعون فقال له: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) } [طه: 43 - 45]

وعن الْمِقْدَام بْن شُرَيْحِ بْنِ هَانِىءٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ رَكِبَتْ عَائِشَةُ بَعِيرًا وَكَانَ مِنْهُ صُعُوبَةٌ فَجَعَلَتْ تُرَدِّدُهُ فَقَالَ لَهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ فَإِنَّهُ لَا يَكُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ رواه أحمد بسند صحيح

إن الخير كل الخير في الرفق، فما من عمل أجمل من الرفق فهو أساس حب الناس لك فمن حرمه حرم الخير كله، فعَنْ جَرِيرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ يُحْرَمْ الرِّفْقَ يُحْرَمْ الْخَيْرَ رواه مسلم

وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنْ الرِّفْقِ فَقَدْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنْ الْخَيْرِ رواه الترمذي بسند  حَسَن صَحِيح

والرفق يدخل الخير إلى البيت فعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - عَنِ الْبَدَاوَةِ فَقَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَبْدُو إِلَى هَذِهِ التِّلاَعِ وَإِنَّهُ أَرَادَ الْبَدَاوَةَ مَرَّةً فَأَرْسَلَ إِلَىَّ نَاقَةً مُحَرَّمَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَقَالَ لِى « يَا عَائِشَةُ ارْفُقِى فَإِنَّ الرِّفْقَ لَمْ يَكُنْ فِى شَىْءٍ قَطُّ إِلاَّ زَانَهُ وَلاَ نُزِعَ مِنْ شَىْءٍ قَطُّ إِلاَّ شَانَهُ ». رواه أبو داود بسند صحيح

وإذا أحب الله عبداً منحه الرفق فعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ رواه مسلم

وقد دعا النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- على كل من ولي أمرا من أمور المسلمين وشق عليهم أن يشق الله عليه، وأن من ولي من أمرهم شيئاً فرفق بهم أن يرفق به،

مما يدل على أن الرفق هو الأساس التعامل مع الناس، لما له من وقع على القلوب، وأثر طيب في النفوس، فعن عائشة-رضي الله عنها-قالت: سمعت من رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يقول في بيتي هذا:(اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ) رواه مسلم.

وما أجمل معاملته صلى الله عليه وسلم حتى مع عبيده وخدمه فهذا أنس بن مالك-رضي الله عنه- يروي لنا شيئاً من ذلك، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ وَاللَّهِ مَا قَالَ لِي أُفًّا قَطُّ وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا رواه مسلم

وتاريخنا الإسلامي زاخر بالمواقف الناصعة والنماذج الطيبة لخلق الرفق فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ اسْتَأْذَنَ رَهْطٌ مِنْ الْيَهُودِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكَ فَقُلْتُ بَلْ عَلَيْكُمْ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ فَقَالَ يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ قُلْتُ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا قَالَ قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ رواه البخاري إنه الرفيع حتى مع الأعداء.

موقفٌ آخر من مواقف الرفق منه -صلى الله عليه وآله وسلم- مع الأطفال الصغار، كيف كان يتعامل معهم وكيف كان ينظر إليهم وكيف كان يربيهم فقد كان يلاطفهم ويقبلهم ويسلم عليهم فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَبَّلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيميُّ، جَالِسًا فَقَالَ الأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْولَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ: مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ رواه البخاري

وعندما بال الأعرابي في المسجد وهم الصحابة بزجره وإيذائه تقدمت أخلاقه ورفق لتعلمه وتعلمهم وأنه لا بد من الرفق بالناس فعن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَثَارَ إِلَيْهِ النَّاسُ ليَقَعُوا بِهِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوهُ وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ أَوْ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ رواه البخاري

وأخيرا فإن الرفق له ثمار كثيرة منها:

1. الرفق في الأشياء مكرمة.

2. مقدار حظ الإنسان من الخير بمقدار حظه من الرفق.

3. الرفق طريق موصل إلى جنة الرحمن.

4. الرفق دليل على حسن خلق العبد وصلاحه

 5. الرفق ينشئ مجتمعاً سليما ملتزما دينا وهو دليل كمال الإيمان.

6. الرفق ينمي محبة الله ومحبة الناس وروح التعاون بين الناس.

وأخيرا أسأل الله تعالى أن يخلقنا بخلق الرفق وأن يوفق المسلمين لما يحبه ويرضاه

               الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية