الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | النبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وبعدها

اليوم : الأحد 11 ذو القعدة 1445 هـ – 19 مايو 2024م
ابحث في الموقع

النبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وبعدها

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فقد كان العرب في الجاهلية يعبدون الأصنام وكان لكل مدينة صنم، بل ولكل قبيلة صنم، فمكة كان لهم هُبُل، الطائف كان اللاّت، وامتلأت الكعبة بالأصنام حتى بلغ عددها ثلاثمائة وستين صنمًا.

وكانت هناك أزمة من الأخلاق فقد تفشي شرب الخمر وكان يؤدي إلى النزاعات بين الناس.

وتفشي فيهم الميسر الذي أورث البغضاء والشحناء، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91].

وكان الربا منتشرا قال الله تعالى على لسانهم: {إِنَّمَا البَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة: 275].

وانتشر الزنا بصور بشعة في المجتمعات العربية قبل الإسلام، فعن عُرْوَة بْن الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ النِّكَاحَ فِي الجَاهِلِيَّةِ كَانَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ: فَنِكَاحٌ مِنْهَا نِكَاحُ النَّاسِ اليَوْمَ: يَخْطُبُ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ وَلِيَّتَهُ أَوِ ابْنَتَهُ، فَيُصْدِقُهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا، وَنِكَاحٌ آخَرُ: كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ إِذَا طَهُرَتْ مِنْ طَمْثِهَا: أَرْسِلِي إِلَى فُلاَنٍ فَاسْتَبْضِعِي مِنْهُ، وَيَعْتَزِلُهَا زَوْجُهَا وَلاَ يَمَسُّهَا أَبَدًا، حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي تَسْتَبْضِعُ مِنْهُ، فَإِذَا تَبَيَّنَ حَمْلُهَا أَصَابَهَا زَوْجُهَا إِذَا أَحَبَّ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ رَغْبَةً فِي نَجَابَةِ الوَلَدِ، فَكَانَ هَذَا النِّكَاحُ نِكَاحَ الِاسْتِبْضَاعِ. وَنِكَاحٌ آخَرُ: يَجْتَمِعُ الرَّهْطُ مَا دُونَ العَشَرَةِ، فَيَدْخُلُونَ عَلَى المَرْأَةِ، كُلُّهُمْ يُصِيبُهَا، فَإِذَا حَمَلَتْ وَوَضَعَتْ، وَمَرَّ عَلَيْهَا لَيَالٍ بَعْدَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا، أَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يَمْتَنِعَ، حَتَّى يَجْتَمِعُوا عِنْدَهَا، تَقُولُ لَهُمْ: قَدْ عَرَفْتُمُ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِكُمْ وَقَدْ وَلَدْتُ، فَهُوَ ابْنُكَ يَا فُلاَنُ، تُسَمِّي مَنْ أَحَبَّتْ بِاسْمِهِ فَيَلْحَقُ بِهِ وَلَدُهَا، لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْتَنِعَ بِهِ الرَّجُلُ، وَنِكَاحُ الرَّابِعِ: يَجْتَمِعُ النَّاسُ الكَثِيرُ، فَيَدْخُلُونَ عَلَى المَرْأَةِ، لاَ تَمْتَنِعُ مِمَّنْ جَاءَهَا، وَهُنَّ البَغَايَا، كُنَّ [ص:16] يَنْصِبْنَ عَلَى أَبْوَابِهِنَّ رَايَاتٍ تَكُونُ عَلَمًا، فَمَنْ أَرَادَهُنَّ دَخَلَ عَلَيْهِنَّ، فَإِذَا حَمَلَتْ إِحْدَاهُنَّ وَوَضَعَتْ حَمْلَهَا جُمِعُوا لَهَا، وَدَعَوْا لَهُمُ القَافَةَ، ثُمَّ أَلْحَقُوا وَلَدَهَا بِالَّذِي يَرَوْنَ، فَالْتَاطَ بِهِ، وَدُعِيَ ابْنَهُ، لاَ يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ «فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالحَقِّ، هَدَمَ نِكَاحَ الجَاهِلِيَّةِ كُلَّهُ إِلَّا نِكَاحَ النَّاسِ اليَوْمَ» رواه البخاري.

وكان هناك وأد البنات دفن البنت حيةً، ويرجع ذلك لأسباب كثيرة منها:

1. خشية الفقر؛ قال الله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} [الإسراء: 31].

2. خوف العار.

3. العيوب الخلقية أو اختلاف اللون؛ قال الله تعالى: {وَإِذَا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التَّكوير: 8، 9].

وقال الله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ القَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل: 58، 59].

وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فعن عبد الله مسعود  أنه سأل رسول الله  فقال: 'أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ. قُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ. قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ. قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ'. رواه البخاري

وأما عن الحالة السياسية عند العرب قبل الإسلام فحدث ولا حرج حيث كانت الحروب بين القبائل تشتعل لأتفه الأسباب، فهذه حرب البسوس كان سببها أن رئيس قبيلة بني بكر ضرب ناقة امرأة من تغلب تسمى البسوس بنت منقذ، حتى اختلط لبنها بدمها، فقتل رجل من تغلب رجلاً من بني بكر، فدارت حرب بين القبيلتين استمرت أربعين سنة.

وحرب داحس والغبراء: وهما اسمان لفرسين دخل صاحباهما سباقًا، لطم أحدهما فرس الآخر على وجهه، ليمنعه من الفوز، فقامت حرب بين القبيلتين قتل فيها الألوف.

وكان الناس في فوضى وتخبط وضلال غير أن هناك نفرا لم يرضوا بدينهم فاعتنقوا الحنيفية أو النصرانية كزيد بن عمرو بن نفيل والد سعيد بن زيد ، وكان حنيفيًّا على ملة إبراهيم ، وورقة بن نوفل، وقد تَنَصّر، وقس بن ساعدة، وكان يبشر بمجيء نبيٍّ.

هذه هي مكة وقريش وهذه هي الأخلاق والقيم والعادات والعلاقات والعقيدة عندهم.

وبينما هم كذلك إذ بعث الله حبيبنا محمدا كما قال مولانا: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15، 16].

لقد كانت مكة على موعد مع حدث عظيم وهو ميلاد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فقد ولد في الثاني عشر من شهر ربيع الأول من عام الفيل.

وقيل ولد يوم الإثنين التاسع من شهر ربيع الأول الموافق العشرون من شهر أبريل سنة خمسمائة وواحد وسبعين للميلاد.

وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم.

وأمه آمنة بنت وهب.

وقد سمي نبينا محمد بهذا الاسم كما قيل بأن أمه أُمرت أن تسميه محمدا وهي حامل، وروي أن جده عبد المطلب رأى في منامه كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهره، لها طرف في السماء وطرف في الأرض، وطرف في المشرق وطرف في المغرب، ثم عادت كأنها شجرة، على كل ورقة منها نور، وإذ بأهل المشرق والمغرب يتعلقون بها؛ فتأولها بمولود يكون من صلبه يتبعه أهل المشرق والمغرب، ويحمده أهل السماء فسماه محمدا.

ومحمد صلى الله عليه وسلم هو ابن الذبيحين، فأبوه عبد الله وجده إسماعيل عليه السلام.

وقد كانت قبل مولده إرهاصات بالنبوة، فيوم مولده زلزل إيوان كسرى وسقطت شرفاته، وخمدت نار فارس وما خمدت قبل ذلك بألف عام، وغاضت بحيرة ساوة.

وروى عن أمه أنها قالت: 'رأيت لما وضعته نورًا بدا مني ساطعًا حتى أفزعني، ولم أر شيئًا مما يراه النساء'.

 وذكرت فاطمة بنت عبد الله أنها شهدت ولادة النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: فما شيء أنظر إليه من البيت إلا نور، وإني لأنظر إلى النجوم تدنو حتى إني لأقول لتقعن عليَّ.

وروى أنه صلى الله عليه وسلم ولد معذورًا مسرورًا -أي مختونًا مقطوع السرة- وأنه كان يشير بإصبع يده كالمسبّح بها.

وقد عاش محمد صلى الله عليه وسلم يتيما فقد مات أباه قبل مولده، بالمدينة عند بني النجار وهو في الخامسة والعشرين من عمره.

واسترضع له جده على عادة العرب من بني سعد'، من حليمة بنت أبي ذؤيب السعدي'، وقد رأت منه البركة في النفس والمال ثم ماتت أمه آمنة في الأبواء – بين مكة والمدينة – وهي في الثلاثين من عمرها، وكان محمد صلى الله عليه وسلم قد تجاوز السادسة.

ثم كان محمد صلى الله عليه وسلم في كفالة جده عبد المطلب وكان يحبه ويعطف عليه، فمات عبد المطلب وهو في الثامنة من عمره، وكفله عمه أبو طالب، وقد كان محبا له كأحد أبنائه فقد كان أبو طالب سيدًا في قومه.

ولما خرج أبو طالب في تجارة إلى الشام تعلق به محمد فرقّ له وأخذه معه، وهناك في الطريق لقي الراهب بحيرى فجعل يلحظه وينظر إليه، ثم أقبل على عمه أبي طالب فقال له ارجع به فإني أخاف عليه يهود.

وقد شهد محمد صلى الله عليه وسلم حرب الفجار – الذين فجّروا القتال في رجب الشهر الحرام - وكان في السابعة عشرة من عمره.

وحضر حلف الفضول وقد جاوز العشرين، وقد قال فيه بعد بعثته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ حَضَرْتُ فِي دَارِ ابْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا لَوْ دُعِيتُ إِلَيْهِ الْآنَ لَأَجَبْتُ» '.

وقد اشتهر صلى الله عليه وسلم منذ صغره بالصدق والأمانة وتحاكم أهل مكة إليه عندما اختلفوا فيمن يضع الحجر الأسود في مكانه من الكعبة، حيث أعادوا بناءها بعد السيل الذي أصابها فتهدّمت، وأرادت كل قبيلة أن تحظى بشرف البناء وكادوا يقتتلون، ولما مر محمد صلى الله عليه وسلم عليهم قالوا هذا الصادق الأمين ورضوا بحكمه.

وقد تزوج محمد صلى الله عليه وسلم السيدة خديجة وهو في الخامسة والعشرين من عمره، فولدت له القاسم ورقية وزينب وأم كلثوم، وولدت له بعد البعثة عبد الله.

ولما استكمل النبي صلى الله عليه وسلم الأربعين كانت بعثته، وأسلمت به خديجة وأبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وغيرهم من المستضعفين.

وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يبلغ الدين بمكة ثلاث سنين سرا، حتى أمر بالجهر والصدع فلما صدع بالدين بدأت قريش في إيذائه وإيذاء أصحابه، ونال المؤمنون صنوف العذاب حتى اضطروا إلى الهجرة إلى الحبشة ثم إلى المدينة.

وما هي إلا أعوام حتى عاد صلى الله عليه وسلم فاتحًا.

ومرت سنوات وسنوات على النبي صلى الله عليه وسلم وكانت الأحداث متلاحقة والغزوات تترى وما غادر الدنيا حتى أنشأ جيلا يستحق النصر والتمكين فنصره الله ومكن له في الأرض وتلك سنة الله في الأولين والآخرين وهكذا يأتي شهر الربيع كل عام ليذكرنا بسيرته صلى الله عليه وسلم. والله أعلى وأعلم.

               الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية