الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | حكم بيع الدقيق بالخبز

اليوم : الثلاثاء 5 محرَّم 1447 هـ – 01 يوليو 2025م
ابحث في الموقع

حكم بيع الدقيق بالخبز

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أمَّا بعد:

فالقمح والشعير من الربويات التي يشترط عند بيعها بجنسها، الحلول، والتقابض، والتماثل، فعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ-رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» [رواه مسلم].

وقد اختلف الفقهاء في بيع الدقيق بالخبز، بناء على اختلافهم في الخبز هل يخرج عن جنسه(الدقيق) بالصنعة أو لا، فمن قال يخرج الخبز عن الدقيق بالصنعة، قال بالجواز، ومن قال لا يخرج، قال بالمنع، وعلى هذا اختلفت كلمة الفقهاء في حكم بيع الخبز بالدقيق على قولين:

القول الأول: ذهب الحنفية والمالكية إلى جواز ذلك؛ لقولهم باختلاف الصنفين، وأن الصنعة تنقل الخبز عن جنسه، قال ابن عابدين -رحمه الله-: {لِأَنَّهُ بِالصَّنْعَةِ صَارَ جِنْسًا آخَرَ وَالْبُرُّ وَالدَّقِيقُ مَكِيلَانِ فَانْتَفَتْ الْعِلَّتَانِ} [رد المحتار (20/ 142)].

 قال المواق-رحمه الله-: {لَا بَأْسَ بِالْخَبْزِ بِالْعَجِينِ أَوْ بِالدَّقِيقِ، أَوْ بِالْحِنْطَةِ مُتَفَاضِلًا لِأَنَّ الْخُبْزَ قَدْ غَيَّرَتْهُ الصَّنْعَةُ}. [المواق: التاج والإكليل لمختصر خليل (6/ 213)].

وقال ابن عبد البر-رحمه الله-: {كذلك الخبز بالدقيق والعجين بالخبز والحنطة المقلية بالنية متفاضلا ومتماثلا كل ذلك وليس عنده(مالك) في ذلك مزابنة لأن الصنعة أخرجته عنده من الجنس} [الكافي في فقه أهل المدينة (2/ 651)].

القول الثاني: ذهب الشافعية والحنابلة إلى عدم جوازه؛ للجهل بالمماثلة، ولأن الصنعة لا تنقله عن جنسه، قال النووي -رحمه الله-: {هَكَذَا الدَّقِيقُ بِالْخُبْزِ لَا يَجُوز، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ بِخُصُوصِهِ الْفُورَانِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ وَكَذَلِكَ نَقَلَ الْمَنْعَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ} [النووي: المجموع شرح المهذب (11/ 122)].

وقال المرداوي-رحمه الله-: {لا يجوزُ بَيعُ خُبْزٍ بحَبه، ولا بدَقِيقِه، نصَّ عليه (الإمام أحمد) مِرارًا}. [المرداوي: الإنصاف (5/ 26)].

وهل يجوز تأخير قبض الخبر واستلامه على فترات أي يكون نسيئة؟

اختلف الفقهاء القائلون بجواز البيع حالاً وناجزاً في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: قال الحنفية يجوز بيع الخبز بالدقيق مع تأخير القبض، قال شيخي زادة-رحمه الله-: {وَيَجُوزُ بَيْعُ الْخُبْزِ بِالْبُرِّ أَوْ الدَّقِيقِ أَوْ السَّوِيقِ مُتَفَاضِلًا لِعَدَمِ التَّجَانُسِ؛ لِأَنَّ الْخُبْزَ وَزْنِيٌّ أَوْ عَدَدِيٌّ، وَالْبُرَّ كَيْلِيٌّ بِالنَّصِّ وَلَمْ يَجْمَعْهَا قَدْرٌ وَكَذَا بَيْعُ الْخُبْزِ بِالدَّقِيقِ أَوْ السَّوِيقِ مُتَفَاضِلًا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ عَدَمِ التَّجَانُسِ فَلَمْ تُوجَدْ عِلَّةُ الرِّبَا هَذَا إذَا كَانَا نَقْدَيْنِ وَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا نَسِيئَةً سَوَاءٌ كَانَ خُبْزًا أَوْ بُرًّا أَوْ دَقِيقًا فَيَجُوزُ فِي صُورَةِ كَوْنِ الْبُرِّ نَسِيئَةً عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ أُسْلِمَ مَوْزُونًا فِي مَكِيلٍ يُمْكِنُ ضَبْطُ صِفَتِهِ وَمَعْرِفَةُ مِقْدَارِهِ قِيلَ يُفْتَى بِهِ وَيَجُوزُ فِي صُورَةِ كَوْنِ الْخُبْزِ نَسِيئَةً عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ أَسْلَمَ فِي مَوْزُونٍ وَقِيلَ بِهِ يُفْتَى}. [زادة: مجمع الأنهر (2/ 88].

قال البابرتي-رحمه الله-: {وَإِنَّمَا كَانَ الْفَتْوَى عَلَى ذَلِكَ لِحَاجَةِ النَّاسِ} [البابرتي: العناية شرح الهداية (7/ 37)].

القول الثاني: قال مالك-رحمه الله-: لا يجوز بيع الخبز بالدقيق مع تأخير القبض ولا بد أن يكون يداً بيد. [المدونة (3/ 152)]

الرأي المختار:

يظهر لي من خلال عرض الأقوال وعللها، أن القول الأسلم والأحوط، هو قول الشافعية والحنابلة، أن بيع الخبز بالدقيق لا يجوز، والأسلم في ذلك أن يباع الدقيق ويُشترى بثمنه خبزاً، ومع ذلك فلا حرج لمن يأخذ بالرأي المقابل؛ وذلك لحاجة الناس إليه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

الأكثر مشاهدة


أحاديث الإسراء والمعراج كما جاءت في صحيحي البخاري ومسلم

لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

النفاق الاجتماعي وأثره على الفرد والمجتمع

الاشتراك في القائمة البريدية