الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
فيقول الله تعالى:﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 32].
ينظر الإسلام إلى المهر على أنه حق للمرأة، قال الله تعالى: ﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ﴾ [النساء: 4]. ومعنى (نحلة) عطية خالصة.
وقد شرع المهر من أجل تحقيق مصالح للمرأة كتطييب قلبها، وبيان عظم قدرها، ومساعدة للمرأة على الانتقال من بيت أبيها إلى بيت زوجها إلى غير ذلك من مقاصد.
والإسلام لم يحدد قدرا معينا للمهر، فيجوز الكثير والقليل قال الله تعالى: [وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا] {النساء:20}.
ولا يظن أحدٌ أنَّ المهر هو ثمن للمرأة، أو مقابل جمال أو استمتاع كما يعتقد بعض الجهلة أن المهر قِيمة لها، وهذا خطأ بل هو حق ثابت منحة من الله.
ولم يحدد الإسلام مقداراً للمهر لأن حاجات الناس تختلف من زمان إلى آخر ومن مكان إلى آخر وكذا باعتبار الحال والمآل واليسر والعسر فترك تحديد المهر لأعراف الناس.
وإن من يمن المرأة وبركتها قلة مهرها فقد خطب عُمَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ أَلاَ لاَ تُغَالُوا بِصُدُقِ النِّسَاءِ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِى الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ لَكَانَ أَوْلاَكُمْ بِهَا النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- مَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَلاَ أُصْدِقَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَىْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً. رواه أبو داود بسند حسن صحيح.
وهذا في حقِّ أمهات المؤمنين، وبنات سيِّد المرسلين
وعن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ جِئْتُ لأَهَبَ لَكَ نَفْسِي، فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ؛ فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ؛ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَ: لاَ، وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ؛ فَقَالَ؛ لاَ، وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، مَا وَجَدْتُ شَيْئًا قَالَ: انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لاَ، وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، وَلاَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، وَلكِنْ هذَا إِزَارِي (قَالَ سَهْلٌ مَالَهُ رِدَاءٌ) فَلَهَا نِصْفُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْءٌ فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلِسُهُ ثُمَّ قَامَ، فَرَآهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُوَلِّيًا فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ، فَلَمَّا جَاءَ، قَالَ: مَاذَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا وَسُورَة كَذَا؛ عَدَّهَا، قَالَ: أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ. رواه البخاري.
وعن أَنَسٍ قَالَ خَطَبَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ فَقَالَتْ وَاللَّهِ مَا مِثْلُكَ يَا أَبَا طَلْحَةَ يُرَدُّ وَلَكِنَّكَ رَجُلٌ كَافِرٌ وَأَنَا امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ وَلَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَتَزَوَّجَكَ فَإِنْ تُسْلِمْ فَذَاكَ مَهْرِي وَمَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ فَأَسْلَمَ فَكَانَ ذَلِكَ مَهْرَهَا قَالَ ثَابِتٌ فَمَا سَمِعْتُ بِامْرَأَةٍ قَطُّ كَانَتْ أَكْرَمَ مَهْرًا مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ الْإِسْلَامَ فَدَخَلَ بِهَا فَوَلَدَتْ لَهُ. رواه النسائي بسند صحيح.
وهذا عبد الرحمن بن عوف، وهو مِن أغْنى أهل المدينة، تزوَّج على وزن نواةٍ مِن ذهب فعن أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَزَوَّجَ عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ فَكَانَ الْحَكَمُ يَأْخُذُ بِهِ. رواه أحمد بسند صحيح.
وهذا سعيد بن المسيِّب - رحمه الله تعالى - سيِّد التابعين، يتقدَّم لخِطبة ابنته الخليفة عبد الملك بن مرْوان لابنه الوليد ولي العهْد، فيرفض، ويزوِّجها لتلميذ له صالِح، اسمه عبد الله بن أبي وداعة على درهمين أو ثلاثة.
فعَنِ ابْنِ أَبِي وَدَاعَةَ، قَالَ: ' كُنْتُ أُجَالِسُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَفَقَدَنِي أَيَّامًا فَلَمَّا جِئْتُهُ قَالَ: أَيْنَ كُنْتَ؟ قَالَ: تُوُفِّيَتْ أَهْلِي فَاشْتَغَلْتُ بِهَا فَقَالَ: أَلَا أَخْبَرْتَنَا فَشَهِدْنَاهَا؟ قَالَ: ثُمَّ أَرَدْتُ أَنْ أَقُومَ فَقَالَ: هَلِ اسْتَحْدَثْتَ امْرَأَةً؟ فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ وَمَنْ يُزَوِّجُنِي وَمَا أَمْلِكُ إِلَّا دِرْهَمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً؟ فَقَالَ: أَنَا، فَقُلْتُ: أَوَ تَفْعَلُ؟ قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ حَمِدَ اللهَ تَعَالَى وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَوَّجَنِي عَلَى دِرْهَمَيْنِ أَوْ قَالَ: ثَلَاثَةٍ قَالَ: فَقُمْتُ وَلَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ مِنَ الْفَرَحِ فَصِرْتُ إِلَى مَنْزِلِي وَجَعَلْتُ أَتَفَكَّرُ مِمَّنْ آخُذُ وَمِمَّنْ أَسْتَدِينُ فَصَلَّيْتُ الْمَغْرِبَ وَانْصَرَفْتُ إِلَى مَنْزِلِي وَاسْتَرَحْتُ وَكُنْتُ وَحْدِي صَائِمًا فَقَدَّمْتُ عَشَائِي أَفْطَرُ كَانَ خُبْزًا وَزَيْتًا فَإِذَا بِآتٍ يَقْرَعُ فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: سَعِيدٌ قَالَ: فَتَفَكَّرْتُ فِي كُلِّ إِنْسَانٍ اسْمُهُ سَعِيدٌ إِلَّا سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَإِنَّهُ لَمْ يُرَ أَرْبَعِينَ سَنَةً إِلَّا بَيْنَ بَيْتِهِ وَالْمَسْجِدِ فَقُمْتُ فَخَرَجْتُ فَإِذَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ بَدَا لَهُ فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَلَا أَرْسَلْتَ إِلَيَّ فَآتِيَكَ قَالَ: لَأَنْتَ أَحَقُّ أَنْ تُؤْتَى قَالَ: قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُ؟ قَالَ: إِنَّكَ كُنْتَ رَجُلًا عَزَبًا فَتَزَوَّجْتَ فَكَرِهْتُ أَنْ تَبِيتَ اللَّيْلَةَ وَحْدَكَ، وَهَذِهِ امْرَأَتُكَ فَإِذَا هِيَ قَائِمَةٌ مِنْ خَلْفِهِ فِي طُولِهِ ثُمَّ أَخَذَهَا بِيَدِهَا فَدَفَعَهَا بِالْبَابِ وَرَدَّ الْبَابَ فَسَقَطَتِ الْمَرْأَةُ مِنَ الْحَيَاءِ فَاسْتَوْثَقَتْ مِنَ الْبَابِ ثُمَّ قَدَّمْتُهَا إِلَى الْقَصْعَةِ الَّتِي فِيهَا الزَّيْتُ وَالْخُبْزُ فَوَضَعْتُهَا فِي ظِلِّ السِّرَاجِ لِكَيْ لَا تَرَاهُ ثُمَّ صَعَدْتُ إِلَى السَّطْحِ فَرَمَيْتُ الْجِيرَانَ فَجَاءُونِي فَقَالُوا: مَا شَأْنُكَ؟ قُلْتُ: وَيْحَكُمْ زَوَّجَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ابْنَتَهُ الْيَوْمَ وَقَدْ جَاءَ بِهَا عَلَى غَفْلَةٍ فَقَالُوا: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ زَوَّجَكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ وَهَا هِيَ فِي الدَّارِ قَالَ: فَنَزَلُوا هُمْ إِلَيْهَا وَبَلَغَ أُمِّي فَجَاءَتْ وَقَالَتْ: وَجْهِي مِنْ وَجْهِكِ حَرَامٌ إِنْ مَسَسْتَهَا قَبْلَ أَنْ أُصْلِحَهَا إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَالَ: فَأَقَمْتُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ دَخَلْتُ بِهَا فَإِذَا هِيَ مِنْ أَجْمَلِ النَّاسِ وَإِذَا هِيَ مِنْ أَحْفَظِ النَّاسِ لِكِتَابِ اللهِ وَأَعْلَمِهِمْ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْرِفِهِمْ بِحَقِّ الزَّوْجِ قَالَ: فَمَكَثْتُ شَهْرًا لَا يَأْتِينِي سَعِيدٌ وَلَا آتِيهِ فَلَمَّا كَانَ قُرْبُ الشَّهْرِ أَتَيْتُ سَعِيدًا وَهُوَ فِي حَلْقَتِهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ وَلَمْ يكَلِّمْنِي حَتَّى تَقَوَّضَ أَهْلُ الْمَجْلِسِ فَلَمَّا لَمْ يَبْقَ غَيْرِي قَالَ: مَا حَالُ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ؟ قُلْتُ: خَيْرًا يَا أَبَا مُحَمَّدٍ عَلَى مَا يُحِبُّ الصَّدِيقُ وَيَكْرَهُ الْعَدُوُّ قَالَ: إِنْ رَابَكَ شَيْءٌ فَالْعَصَا فَانْصَرَفْتُ إِلَى مَنْزِلِي فَوَجَّهَ إِلَيَّ بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ ' قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سُلَيْمَانَ: وَكَانَتْ بِنْتُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ خَطَبَهَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ لِابْنِهِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ حِينَ وَلَّاهُ الْعَهْدَ فَأَبَى سَعِيدٌ أَنْ يُزَوِّجَهُ فَلَمْ يَزَلْ عَبْدُ الْمَلِكِ يَحْتَالُ عَلَى سَعِيدٍ حَتَّى ضَرَبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ فِي يَوْمٍ بَارِدٍ وَصَبَّ عَلَيْهِ جَرَّةَ مَاءٍ وَأَلْبَسَهُ جُبَّةَ صُوفٍ قَالَ عَبْدُ اللهِ: وَابْنُ أَبِي وَدَاعَةَ هَذَا هُوَ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء - (2 / 168)
وهذه القصة توبخ كل من باع ابنته بعرض من الدنيا قليل، لقد آثَر سعيدٌ سعادة ابنته وهو يعلم أن السعادة ليستْ في المال، وإنما في الإيمان.
وقدْ أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على المغالين في المهور إنكارا كبيرا؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ نَظَرْتَ إِلَيْهَا فَإِنَّ فِي عُيُونِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا قَالَ قَدْ نَظَرْتُ إِلَيْهَا قَالَ عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتَهَا قَالَ عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ كَأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الْفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هَذَا الْجَبَلِ مَا عِنْدَنَا مَا نُعْطِيكَ وَلَكِنْ عَسَى أَنْ نَبْعَثَكَ فِي بَعْثٍ تُصِيبُ مِنْهُ قَالَ فَبَعَثَ بَعْثًا إِلَى بَنِي عَبْسٍ بَعَثَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فِيهِمْ. رواه مسلم.
إن هذه لصرخة مدوية في آذان الآباء أن يعقلوا مقاصد الزواج وأن يدركوا بناتهم قبل فوات الأوان.
ولو عقل هؤلاءِ ذلك لاختاروا لهن أزواجا أكفاء، فهذا عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - يعرِض ابنته حفصةَ على أبي بكر ليتزوَّجها، ثم على عثمان - رضي الله عنهم أجمعين.
وهذا شُعيب - عليه السلام - يعرِض ابنته على موسى عليه السلام قال الله تعالى: ﴿ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ ﴾ [القصص: 27]،
وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا وَتَيْسِيرَ رَحِمِهَا. رواه أحمد بسند حسن.
والخلاصة أن المهر حق للزوجة لا يجوز لزوجها ولا لأبيها ولا لغيرهما أن يتسلطا عليه فهي صاحبة ذمة مالية مستقلة ولا يجوز تحديد المهور في الحالات الطبيعية ولكن الشارع نظر إلى الزوج بعين الرحمة فحث على إعانته والتخفيف عنه بدفع قليل من المهر وذلك لمصلحة الزوجين.
والمهر يجوز أن يكون نقدا ويجوز دينا كما يجوز مجزأ وقد تعارف الناس في بلدنا أن يدفع المهر بثلاث كيفيات: قسم معجل يدفع عند العقد وقسم يدفع متى طلبته الزوجة وقسم يحل بالموت أو الطلاق وهو ما يسمى بالمهر المؤجل أو المؤخر
ولا يحق للزوجة أن تطالب زوجها بالمهر المؤخر إلا عند الطلاق أو الموت فإذا طلق الزوج زوجته وجب عليه أن يدفع لها مهرها المكتوب في قسيمة الزواج وكذا إذا مات أحد الزوجين فيؤخذ من تركة الزوج ويعطى للزوجة فهو دين في ذمته حل موعد السداد.
وكما ذكرت سابقا فإنه لا حد للمهر وإن حث الإسلام على التقليل منه فإذا أراد الولي أن يحفظ حق ابنته فلا مانع أن يكتب عليه مهرا مؤجلا على أن لا يكون كثيرا يعنت الزوج في المستقبل فيظن بعض الآباء أن كثرة المهر يدل على عظمة البنت وهذا باطل شرعا وواقعا فإن الذي يكره زوجة ربما علقها فلم يعاشرها بالمعروف ولم يسرحها بإحسان سواء أكان المهر كثيرا أم قليلا لذا فالنصيحة للولي أن لا يثقل على الزوج حتى تستمر الحياة الزوجية. والله أعلى وأعلم.
الشيخ عبد الباري بن محمد خلة