الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | نعمة الرضا بالله وأثرها في الحياة

اليوم : الجمعة 24 شوَّال 1445 هـ – 03 مايو 2024م
ابحث في الموقع

نعمة الرضا بالله وأثرها في الحياة

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فيقول الله تعالى: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8) البينة

أيها الإخوة والأخوات إن من الأمور التي لا يماري فيها العقلاء ولا يتجاهلها الأسوياء أن الطمأنينة والاستقرار النفسي مطلب للناس جميعاً وإن اختلفوا في تحقيق معاييره وسبل الوصول إليه، وربما ضاقت بعض النفوس فحصرته في المال وأخرى حصرته في الجاه والمنصب وهكذا.

وهذه المعاني والإفهام نسبية في الإفراد ووقتية في الزمن، والواقع يشهد أن الأمر خلاف ذلكم، فكم من غني لم يرضى بحياته ولم يطمئن لها، إذ كم من غني يجد وكأنه لم يجد إلا عكس ما كان يجد، وكم من صاحب جاه وسلطان لم يذق طعم الاستقرار والإيمان

وكم من صاحب ولدٍ يتقلب على رمضاء الحزن والقلق وعدم الرضا بالحال ..

بينما نجد أحيانا شخصا لم يحظ بشيء من ذلك غير انه في امن وأمان وطمأنينته

والسبب في ذلك أن هذه الأصناف قد تباينت في تعاملها مع نعمةٍ كبرى ينعم الله بها على عبده المؤمن ..

ألا وهي (نعمة الرضا) ذلكم السلاح الذي يوصل صاحبه الى رضوان الله سبحانه وتعالى فعَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ

أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا . رواه مسلم.

وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ قَالَ رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ».رواه أبو داود بسند صحيح

 أيها الإخوة والأخوات إن للرضا حلاوة تفوق حلاوة الأشياء كلها، وله من المذاق النفسي والروحي والقلبي ما يفوق مذاق؛ فهذان الحديثان في فم الحبيب صلى الله عليه وسلم عليهما مدار السعادة والطمأنينة قد تضمن الحديثان الرضا بربوبية الله - سبحانه - وألوهيته ، والرضا برسوله - صلى الله عليه وسلم - والانقياد له والرضا بدينه والتسليم له ..

فحقيق بمن حاز هذه الصفات الثلاث في قلبه أن يحيا هنيئًا ويعيش رضيًّا، ومن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط ، ولا يظلم ربك أحدا .

أيها الإخوة والأخوات : إن الأمة في هذه الأيام والتي تموج فيها الفتن بعضها ببعض أحوج ما تكون إلى إعلان الرضا بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - رسولا ..

هذه الأمة تعلن مبدأ الرضا بلسانها وقلبها وجوارحها لابد أن نرضى بالله وأقواله وبرسوله صلى الله عليه وسلم استمع إلى قول الحق سبحانه:( قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ .... (162- 64 سورة الأنعام) .

الرضا بربوبيته - سبحانه - الرضا بتدبيره وتقديره ، وأن ما أصاب العبد لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، وإذا رضي العبد بربوبية الله وألوهيته فقد رضي عنه ربه سبحانه وتعالى.. وإذا رضي الله عنه ربه فقد كفاه وحفظه ورعاه ، قال الله تعالى: ... {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119)} [المائدة: 119]

أيها الإخوة والأخوات: إن الرضا بدين الله وتطبيق شرعه سبحانه لهو مظنة سعادة الأمة المسلمة ومتى عظَّمت الأمة دينها ورضيت به حكمًا ومنصفاً فقد هُديت إلى صراط ربها ..

وإن كل أمة تهمل أمر دينها وتعطل كلمة ربها في الحياة فإنما هي تهمل أعظم أسباب نجاحها في الدنيا والآخرة .

وعن أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمانِ، أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمّا سِواهُما، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلاّ للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ في الْكُفْرِ كَما يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النَّارِ. أخرجه البخاري.

 وما أعظم الأمة الراضية بربها ودينها ورسولها - صلى الله عليه وسلم – أن تردد دائماً : رضينا بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - رسولا .

قال الله تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) سورة (آل عمران) .

إنه الدين الكامل الصالح المصلح لكل زمانٍ ومكان .. إنه دين الرحمة دين الصدق والأمانة.. دينٌ متينٌ خالدٌ.. دينٌ كاملٌ بإكمال الله له قال تعالى: ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا.. (3 سورة المائدة).

أيها الإخوة والأخوات إن المسلم لا يدرك حلاوة الإيمان إلا إذا رضي بمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - نبيًّا ورسولا ، وعَن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا مَنْ أَبَى قَالُوا وَمَنْ يَأْبَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى ' رواه أحمد بسند صحيح.

قال الحافظ ابن حجر :( وقد توسع من تأخر عن القرون الثلاثة الفاضلة في غالب الأمور التي أنكرها أئمة التابعين وأتباعهم ، ولم يقتنعوا حتى مزجوا مسائل الديانة بكلام الفلاسفة وجعلوه أصلا يردون إليه ما خالفه من الآثار بالتأويل ولو كان مستكرها ، ثم لم يكتفوا بذلك حتى زعموا أن الذي رتبوه هو أشرف العلوم وأولاها بالتحصيل ، وأن من لم يستعمل ما اصطلحوا عليه فهو عاميٌّ جاهل ؛ فالسعيد من تمسك بما كان عليه السلف واجتنب ما استحدثه الخـلف قال الله تعالى: مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا * وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً * أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا (80- 82 سورة النساء )

فيا أيها الإخوة والأخوات هذا هو خلق الرضا أن ترضى عن الله في الربوبية والإلوهية والأسماء والصفات وترضى بنبيه صلى الله عليه وسلم وسنته الصحيحة وأن لا ترضى بشرع سوى شرعهما ولا حكماً سوى حكمهما ولا تجد حرجاً فيمل قضياه لك من أمور الدين والدنيا فهذا هو الرضا فمن رضي عن الله رضي الله عنه وأرضى الناس عليه ومن سخط على الله اسخط الله عليه البشر جميعاً . وصدق الله 'رضي الله عنهم ورضوا عنه' وبالله التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

            الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

 

 

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية