الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | أصل الدين التوحيد

اليوم : الأربعاء 29 شوَّال 1445 هـ – 08 مايو 2024م
ابحث في الموقع

أصل الدين التوحيد


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده و رسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } [الأحزاب: 70، 71].

أمّا بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدى محمد وشر الامور محدثاتها وكل محدثة بدعه وكل بدعة ظلاله وكل ظلالة في النار.

يقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 116].

 إنّ صلاح الفرع من صلاح الأصل، وفسادَه من فساده، فأصل الدين التوحيد فلابد منه أولاً وقد قدّم الله تعالى أصول الدين على فروعه بالذكر قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد: 19].

 وقال الله تعالى: {وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72].

والدعوة إلى التوحيد هي دعوة الرسل جميعا. قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25].

وعن أنَس بْنُ مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ( يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً). رواه الترمذي بسند صحيح.

ولا بد هنا من الإشارة إلى أنواع التوحيد
فمن أنواع التوحيد: توحيد المعرفة معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله، وتوحيد العبوديّة وتوحيد الألوهية.
ومن حقوق الله تعالى على عباده أن لا يُشركوا به شيئا، ولا بد من إفراد الله بالحكم فالحاكميّة له سبحانه وتعالى.
فنوحّد الله بالتحكيم والتسليم والانقياد والإذعان ولا بد من الخضوع والتذلل له سبحانه والإنابة والتوكّل فلا نجاة للعبد من عذاب الله بدون ذلك.

 ولا يتحقق التوحيد إلا بشروط جمعها بعضهم في قوله:

  العلـم واليـقيـن والقـبـول *** والانـقيـاد فـادرِ ما أقـولُ
 والصدق والإخلاص والمحبّة *** وفّـقَـك الله لـمـا أحَـبَّــه

1. العلم بمعناها نفي الألوهيّة عن غير الله وإثباتها لله تعالى وحده، قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19].

وعَنْ عُثْمَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ). رواه مسلم.

 يعلم أن الله واحد وموجود وله صفات الكمال والجلال.
2. اليقين بها وبمعناها، ومقتضاها، واليقين هو أعلى درَجات العلم، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات: 15].

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ .... أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ لَا يَلْقَى اللَّهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ رواه مسلم.

 فهذه كلمة التوحيد لا بد من اليقين بها والعلم بها والتصديق بمعناها ومغزاها، وقد قال رسول الله لأبي هريرة: (مَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ). رواه مسلم.

والرضا بالتوحيد والخضوع والانقياد، والعمل بهذه الكلم فهو من تمامها.
والصدق والإخلاص في التوحيد. قال الله تعالى: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 1 - 3].

وعن عِتْبَان بن مالك عن رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:( فَإِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ) رواه البخاري.

وقال الله تعالى: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر: 3].

وقال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5].

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لَا يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ رواه البخاري

 فكن من أسعد الناس وحتى يشفع لك الحبيب صلى الله عليه وسلم فأخلص العمل لله، والانقياد لله ولرسوله، لأن الإيمان قولٌ باللسان وإقرار بالقلب وعمل بالجوارح.
والإسلام هو الاستسلام لله، والانقياد له، قال الله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور: 51].

وقال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36].

والمحبة لله ورسوله والمؤمنين، فلا يكمل إيمانُ عبد حتى يحب الله ورسوله والمؤمنين ومحبته الله ورسوله أن تطيعهما ومحبتك للمؤمنين أن تكون خير معين لهم وأن تخالقهم وتعاملهم بالحسنى، وكل محب لا بد أن يطيع محبوبه قال الحكيم:

تعصي الإله وأنت تزعم حبَّه *** هذي لعمري في القياس بديعُ
لو كان حبُّك صادقاً لأطعتـه *** إنّ المحبَّ لمن يُحبُّ مطيـعُ

وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ أَوْسٍ عن عبد الله بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 'لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ'. أخرجه ابن أبي عاصم: السنة ومعها ظلال الجنة للألباني بسند ضعفه الألباني وحسنه النووي

وعن أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمانِ، أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمّا سِواهُما، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلاّ للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ في الْكُفْرِ كَما يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النَّار) رواه البخاري.

فهذه خصال لا بد منها حتى تدلل على إيمانك وحتى تذق حلاوة هذا الإيمان أن يكون حبك لله ورسوله أكثر من كل شيء وإذا أحببت أحدا أن يكون هذا الحب من أجل الله وأن تعض على إيمانك وإسلامك بحيث لا تعاود الكفر كما لا تحب أن تقذف في النار وهكذا أيها الإخوة والأخوات فإن الإسلام مبنى على الاستسلام والخضوع ولا بد أولا أن يوحد المسلم خالقه وأن يبنى إسلامه على عقيدة سليمة ليقبل منه بقية الإسلام والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل وأخر دعوانا إن الحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
           الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية