الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه

اليوم : الجمعة 24 شوَّال 1445 هـ – 03 مايو 2024م
ابحث في الموقع

من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ وَأَبِي الدَّهْمَاءِ قَالَا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَقُلْنَا هَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَالَ نَعَمْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا بَدَّلَكَ اللَّهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ رواه أحمد بسند صحيح

يميل الإنسان بطبعه إلى الشهوات، فلا بد من محاربتها ومجاهدة النفس في التخلص منها ومن ترك لله شيئاً عوّضه الله خيراً منه، يُعوّضُ: الأنسُ بالله، والطمأنينة بالقلب، والنشاط، والرضا لأن للشهوات سلطانا واستيلاء على النفوس، ولا يستطيع تركها إلا من اكرمه الله وأعانه، ومن استعان به أعانه قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)} [الطلاق: 2، 3]

وقال: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49) } [الأنفال: 49، 50]

ومن ترك الشهوات من أجل الله فإن الله يعينه فلا يجد في تركها مشقة تذكر؛ ولعل الله تعالى يبتليه ليتبين الصادق من الكاذب، ومن صبر على مكابدة الشهوة استحالت إلى لذة، وكلما ازدادت الشهوات، وتاقت النفوس إليها، وكثرت الدواعي عظُم الأجرُ لشدة المجاهدة وعذا لمن ترك الشهوات من أجل الله تعالى.

أما من تركها لغير الله فإنه يجد المشقة في ترك المألوفات والعادات

ولعلي أضرب نماذج لذلك:

1.     من ترك الربا، والحرام بارك الله له في رزقه.

2.     من ترك الكذب، وكان عند الله صديقاً.

3.     من ترك البخل، أحبه الناس، وأحبه الله، وأفلح في الدنيا والآخرة وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .

4.     من ترك المراء بنى له بيتا في الجنة،.

5.     من ترك كثرة الطعام سلم من المرض والبطنة.

6.     من ترك طلب الشهرة رفع الله قدره وذكره، وأقبل الناس عليه.

7.     من ترك الغش في المعاملة زادت ثقة الناس به.

8.     من ترك النظر إلى المحرم عوّضه الله نوراً وضياء وفراسة صادقة

9.     من ترك المماطلة في الدَّين سدد عنه دينه.

10.                    من ترك العبوس في وجوه الناس كثر محبوه وزاد أجره، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ وَأَمْرُكَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيُكَ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضَّلَالِ لَكَ صَدَقَةٌ وَبَصَرُكَ لِلرَّجُلِ الرَّدِيءِ الْبَصَرِ لَكَ صَدَقَةٌ وَإِمَاطَتُكَ الْحَجَرَ وَالشَّوْكَةَ وَالْعَظْمَ عَنْ الطَّرِيقِ لَكَ صَدَقَةٌ وَإِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ رواه الترمذي بسند صحيح.

وبالجملة فمن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه. فالجزاء من جنس العمل فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ [الزلزلة:8،7].

11.                   من ترك الغضب عز عند الله وعند الناس وابتعد عن الاعتذار والندم، وكان من الكاظمين فترك الغضب وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصِنِي قَالَ لَا تَغْضَبْ فَرَدَّدَ مِرَارًا قَالَ لَا تَغْضَبْ رواه البخاري.

وعَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ ، قَالَ : غَضِبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَوْمًا فَاشْتَدَّ غَضَبُهُ ، وَكَانَتْ فِيهِ حِدَةٌ ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ ابْنُهُ حَاضِرٌ ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَدْ سَكَنَ غَضَبُهُ ، قَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَنْتَ فِي قَدْرِ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيْك ، وَفِي مَوْضِعِكَ الَّذِي وَضَعَك اللَّهُ فيه ، وَمَا وَلاَّك اللَّهُ مِنْ أَمْرِ عِبَادِهِ يَبْلُغُ بِكَ الْغَضَبُ مَا أَرَى ، قَالَ : كَيْفَ قُلْتَ ؟ فَأَعَادَ عَلَيْهِ كَلاَمُهُ ، فَقَالَ : أَمَا تَغْضَبُ يَا عَبْدَ الْمَلِكِ ، قَالَ : مَا يُغْنِي عَنِّي سَعَةُ جَوْفِي إنْ لَمْ أُرَدِّدْ فِيهِ الْغَضَبَ حَتَّى لاَ يَظْهَرَ مِنْهُ شَيْءٌ أَكْرَهُهُ. مصنف ابن أبي شيبة (13/ 467)

وعن أبي عبلة قال: غضب عمر بن عبد العزيز يوماً غضباً شديداً على رجل، فأمر به، فأُحضر وجُرّد، وشُدّ في الحبال، وجيء بالسياط، فقال: خلو سبيله؛ أما إني لولا أن أكون غضباناً لسؤتك، ثم تلا قوله تعالى: والكاظمين الغيظ .

12.                    من ترك الطعن في أعراض الناس وذكر عيوبهم عوّضه الله السلامة من شرّهم، قال الأحنف بن قيس رضي الله عنه: ( من أسرع إلى الناس فيما يكرهون قالوا فيه ما لا يعلمون ).

وقالت أعرابية توصي ولدها: ( إياك والتعرّض للعيوب فتتخذ غرضاً، وخليق ألا يثبت الغرض على كثرة السهام وقلما اعتورت السهام غرضاً حتى يهي ما اشتد من قوته ).

ولنا في هذه النماذج عبرة:

أ. قصة نبي الله يوسف حيث راودته امرأة العزيز، فاستعصم، مع قوة الدواعي فقد كان شاباً عزباً، وغريباً، والغريب يكون أجرأ من غيره.

وقد كان مملوكاً، إلى غير ذلك من دواع لقد صبر نبي الله يوسف واستعصم به طمعا بما عنده، فنال السعادة في  الدنيا والآخرة،

 وأما امرأة العزيز فقد كانت ذات منصب وجمال وهي سيدته ولا أحد يراقبه غير الله وقد هيئت له نفسها وغلقت الأبواب. إلى غير ذلك من دواع وقد أصبحت كالمملوكة عنده فهي أسيرة لشهوتها، وقد ورد أنها قالت: ( سبحان من صير الملوك بذل المعصية مماليك، ومن جعل المماليك بعز الطاعة ملوكاً ).

وهذا نموذج لكل الشباب لا سيما الذين لا يجدون نكاحا وقد أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن من استعلى على شهوته أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله

فعن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ أخرجه البخاري

ب. سليمان عليه السلام ذبح الخيل لله فعوضه خيرا منها ريحا تجري حيث يشاء قال الله تعالى: (وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ). [سورة ص: 29ـ 33]

فقد كان سليمان عليه السلام محباً للخيل يقاتل عليه في سبيل الله، وكان معه الخيول الصافنات القوية السريعة، ذات الأجنحة، فبينما هو يقوم بعرضها وتنظيمها، فاتته صلاة العصر نسياناً، وانشغل عن الصلاة بسبب الخيل فغضب عليها وقال: والله لا تشغليني عن عبادة ربي، ثم أمر بها ، فضربت أعناقها وعراقيبها بالسيوف، ولما فعل ذلك من أجل الله عوضه الله خيرا منها ريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب

 ج. كان يتجاوز عن المعسر في الدنيا فتجاوز الله عنه يوم القيامة

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ رَجُلٌ يُدَايِنُ النَّاسَ فَكَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِرًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ لَعَلَّ اللَّهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا فَلَقِيَ اللَّهَ فَتَجَاوَزَ عَنْهُ رواه مسلم

وفي لفظ آخر: عن حُذَيْفَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَقَّتْ الْمَلَائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَقَالُوا أَعَمِلْتَ مِنْ الْخَيْرِ شَيْئًا قَالَ لَا قَالُوا تَذَكَّرْ قَالَ كُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ فَآمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا الْمُعْسِرَ وَيَتَجَوَّزُوا عَنْ الْمُوسِرِ قَالَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَجَوَّزُوا عَنْهُ رواه مسلم

فمن رفق بالمعسرين والمعوزين عوضه الله ما هو أفضل عفوه يوم القيامة فالجزاء من جنس العمل جزاء وفاقا

وهكذا فإن الله لا يضيع أجر المحسنين المخلصين من ترك شيئا من أجل الله عوضه الله خيرا منه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

         الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

 

 

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية