الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | مساعدة الأصدقاء قربة منسية

اليوم : الخميس 23 شوَّال 1445 هـ – 02 مايو 2024م
ابحث في الموقع

مساعدة الأصدقاء قربة منسية

في ظل الوضع الراهن الذي نعيش فيه وعدم استلام الراتب لعدة شهور فهل  مساعدة الأصدقاء قربة منسية

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فيقول الله تعالى: ' وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ '. المائدة2.

نعيش اليوم ظروفًا اقتصادية صعبة من أثر الحصار وعدم تلقي الرواتب، الأمر الذي انعكس على شريحة كبيرة من المجتمع وعاش بسببها الكثيرون يعلوهم الفقر والحرمان ولا بد من وقفة جادة تيسر على الناس أمورهم.

إن التكافل في الإسلام ضرورة شرعية ولا بد أن تتظافر الجهود في حل تلك المشكلة وذلك بترسيخ مبدأ التكافل والقضاء على ظاهرة الفقر.

قال الله تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) } [الحجرات: 10، 11]

وعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى رواه مسلم.

 ومما لا شك فيه أن مبدأ التكافل الاجتماعي في الإسلام يقوم على بناء فكري متكامل عبر المنظومة العقدية والأخلاقية التي كونها الإسلام، وهذا الحق واجب في المجتمع المسلم قديم سبق التنظيمات التشريعية الحديثة وهو كذلك يغاير نظم الضمان الاجتماعي السائد في العالم المتحضر اليوم.

ولا يقتصر التكافل في الإسلام، على التعاون بين الناس فقط.

ولا يفرض نفسه في وقت دون وقت، وليس هو وليد الحاجة والضرورة بل يستمد حقيقته من مبدأ مقرر عندنا، وهو مبدأ الولاية بين المؤمنين قال الله تعالى : وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ . سورة التوبة 71.

فالإنسان لا يعيش مستقلا بنفسه، بمعزل عن غيره ، وإنما يكون عيشه مستمد من غيره 

وكل قادر من أفراد المجتمع يجب عليه مساعدة الآخرين ولا يستقل عنهم إلا بعد الكفاية, قال الله تعالى ' وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) سورة الحشر .

وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ قَالَ فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ قَالَ فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ رواه مسلم.

ومن صور التكافل وجوب النفقة على الأقارب كنفقة الزوجة على زوجها، والأبناء على أبيهم، ونفقة الوالدين على ولدهما إذا كانا فقيرين، ونفقة الأخ على أخيه إلى غير ذلك من أقارب. قال الله تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) } [الإسراء: 26، 27]

وعن عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يُسْلِمُهُ. وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ الله فِي حَاجَتِهِ. وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِم كُرْبَةً، فَرَّجَ الله عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ. وَمَنْ سَتَر مُسْلِمًا، سَتَرَهُ الله يَوْمَ القِيَامَة». رواه البخاري

وعن أَبِي مُوسى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «إِنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ. رواه البخاري.

وعن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِير. قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «تَرَى المُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ، وَتَوادِّهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الْجَسَدِ. إِذَا اشْتَكَى عضْوًا، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ والحُمَّى». رواه البخاري.

وعَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ الْحَضْرَمِىِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « ابْغُونِى الضُّعَفَاءَ فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ ». رواه أبو داود بسند صحيح.

وهذا الضعف ليس ضعف الجسد فقط بل يشمل الفقر أيضا.

قال عمر وقتها: « لو أصابت الناس الشدة لأدخلت على أهل كل بيت مثلهم، فإن الناس لا يهلكون على أنصاف بطونهم».

وإن آكد التكافل الاجتماعي يكون في الأقارب وصلتهم واجبة.

وفيها فضل عظيم؛ فإن الله تعالى تكفَّلَ بوصل من وصلها وقطع من قطعها، وجعل من أسباب توسيع الرزق صلة الرحم فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ رِزْقُهُ، أَو يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ». رواه البخاري.

وهكذا فان النبي صلى الله عليه وسلم ربط صلة الرحم بالإيمان والإيمان بصلة الرحم، فمن كان مؤمنا حقا فلا بد من يصل الرحم ومن قصر فيها فليس بمؤمن حقا، فالإسلام دين الترابط والتكافل والمودة والمحبة.

انظر كيف جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين عدم الشرك وبين إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصلة الأرحام.

وهكذا فالإسلام جعل في المال حقا غير الزكاة وجعل المسلمين كالجسد الواحد كل يهمه ما يهم أخاه والكل يتألم بسبب ما وصل إليه الموظفون فلا بد من وقفة جادة مع القريب والجار والصديق ولا ننتظر الصديق يسأل صديق بل لا بد أن تعطيه قبل السؤال لأن الشعور بالمسئولية من الإيمان والذي سخر لك هذا المال هو الذي أمرك بمساعدة المحتاجين فالمال مال الله والمحتاجون إخوانك ومن حق الأخوة أن تبذل لهم شيئا مما أعطاك الله وتذكر قول نبيك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا نَقَّصَ مَالَ عَبْدٍ صَدَقَةٌ رواه أحمد بسند حسن

والله أسأل أن يمن على شعبنا وموظفينا بالفرج العاجل والنصر والتمكين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

          الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

 

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية