الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | كيف نوجد جيلا يراقب الله ولا يراقب الناس؟

اليوم : الخميس 23 شوَّال 1445 هـ – 02 مايو 2024م
ابحث في الموقع

كيف نوجد جيلا يراقب الله ولا يراقب الناس؟

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فالمراقبة: علم العبد الحق بأن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) المجادلة.

وقال الله تعالى: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) } [الشعراء: 218 - 220].

وقال الله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) } [الحديد: 4، 5].

وقال الله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5)} [آل عمران: 5].

فحريٌ بالعبد أن يراقب ربه، فهو لا يغيب عن نظره سبحانه طرفة عين قال الله تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ) [الحديد:4]

وقال الله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)} [القيامة: 36]

 قال الشافعي رحمه الله أي لا يأمر ولا ينهى ولولا مراقبة العبد لربه ما أدى واجبًا وما امتنع عن معصية.

ومراقبة الله هي حقيقة الإحسان التي وهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ...... قَالَ مَا الْإِحْسَانُ قَالَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ رواه البخاري.

وعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ رواه الترمذي بسند حسن.

فهذا عروة بن الزبير خطب من ابن عمر ابنته وهما في الطواف فلم يجبه، ثم لقيه بعد ذلك – أي لقي ابن عمر عروة ابن الزبير - فاعتذر إليه وقال: كنا في الطواف نتخايل الله بين أعيننا.

ومرَّ عمر رضي الله عنه براعٍ فطلب منه شاةً يشتريها فقال: ليس هاهنا ربها. قال عمر: تقول له: أكلها الذئب. قال: فرفع رأسه إلى السماء وقال: فأين الله؟ فقال عمر: أنا والله أحق أن أقول: أين الله؟ واشترى الراعي والغنم، فأعتقه وأعطاه الغنم.

فوائد المراقبة

1.    دخول الجنة قال الله تعالى: (وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ* هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ* مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) سورة ق.

2.    الثواب العظيم والأجر الكبير قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ). سورة الملك.

3.    قرب العبد من ربه وذوقه حلاوة الإيمان وانشراح صدره.

4.     البعد عن المعاصي فإن من أيقنت باطلاع الله عليك يترك معصيته ويقبل على طاعته.

5.     إتقان العمل فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي الصَّلاَةِ فَإِنَّمَا يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلاَ يَبْزُقَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ، وَلكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَو تَحْتَ قَدَمِهِ. رواه البخاري.

6.     إخلاص العمل لله فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا لوجهه الكريم قال الله تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) سورة الكهف.

7.    المراقب لله يكون تحت ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله فعن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ. رواه البخاري

فلا بد من مخافة الله ومراقبته لأن المراقبة تدعو إلى الصدق والأمانة والإخلاص.

ومراقبة العبد لربه من أخلاق الأنبياء والصالحين فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ رواه الترمذي بسند صحيح. فراقب الله في العبادات والمعاملات والبعد عن المحرمات راقب الله مع نفسك مع أولادك وزوجتك مع كل الناس.

أيها الآباء راقبوا الله في أولادكم، أيها الزوج راقب ربك تجاه زوجتك عاشرها بالمعروف.

أيها الشباب أيتها الفتيات راقبوا الله في تصرفاتكم وكونوا على حذر من عقاب الله وليكن وجهتكم كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

راقبوا الله في مشاهدتكم التلفاز والإنترنت والفيس بوك.

أيها الموظف، راقب ربك في عملك واتق الله فيه ذلك وابتعد عن الظلم والتقصير.

أيها المحامي، راقب ربك في مهنتك ولا تظلم ولا تخدع ولا تقلب الحق باطلا والباطل حقا لا تخاصم في الباطل ولا تكذب ولا تزور فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ وَمَنْ خَاصَمَ فِى بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ لَمْ يَزَلْ فِى سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ عَنْهُ وَمَنْ قَالَ فِى مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ ». رواه أبو داود بسند صحيح.

كل يراقب ربه في الدنيا فيوم القيامة لا ينفع الندم ولا المال ولا المحامون قال الله تعالى: ({يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)} [الشعراء: 88، 89].

إن جيلا يتربى على مائدة القرآن والسنة حري أن يكون مراقبا لربه في جميع حركاته وسكناته في فرحه وحزنه في سرائه وضرائه يتسلح بسلاح قوي وهو المراقبة كيف يصبح المسلم ويمسي ومخافة الله نصب عينيه.

أما الأمة التي تعود أبناءها على مراقبة بعضهم بعضا فهي الأمة الهشة الضعيفة التي سيطر عليها اليأس والقنوط ونخرها الوهم والوسوسة وسوء الظن بالآخرين جراء ملاحقة بعضهم بعضا وتجسس بعضهم على بعض حتى أصبح سوء الظن مبدأ من مبادئها فكل واحد يراقب الآخر فيعمل من أجله لا من أجل الله ثم من أجل الحق والعدل والمجتمع.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

              الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية