الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | كيد الرجال مع كيد النساء

اليوم : الجمعة 24 شوَّال 1445 هـ – 03 مايو 2024م
ابحث في الموقع

كيد الرجال مع كيد النساء

ما مدى صحة القول ( عزيزي الرجل: هل تعلم أن كيدنا مذكور في القرآن قبل كيد النساء{يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فَــيَكيدوا لك كيدا} ؟! وهل تعلم أن كيدنا مذكور بسبب الكره ، وكيدهن مذكور بسبب الحب ؟!

وهل تعلم أن كيدنا مذكور بلسان يعقوب ، وكيدهن مذكور بلسان العزيز، فمن أكثر حكمة وأصدق قولا ؟!

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فهذا الكلام يبدو من ملامحه أن قائله يرد على من يكرر دائما الآية الكريمة في سورة يوسف عليه السلام: قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29) يوسف

حيث إن كثيرا من الساخطين على النساء يستشهد بهذه الآية على كيد النساء وأنهن يتصفن بصفة ذميمة وهي الكيد فأراد صاحب هذه الفكرة أن ينصف النساء ويرد عنهن كيد من يتهمهن بذلك فأخذ يأتي بالشواهد من القرآن.

وأظن أن ذلك ردة فعل من هذا الكاتب وعليه فلا بد من النظر في معنى ومدلول كلمة المكر ثم من قائلها والمناسبة التي قيلت فيها وهل في ذلك من عيب أو نقص في جنس النساء.

وقبل البيان والتوضيح للفكرة المرادة لا بد من إبراز حقيقة من الحقائق التي يغفل عنها كثير من الناس ويتغافل بل ويتجاهل عنها المستشرقون والطاعنون في الإسلام وهذه الحقيقة تكريم الإسلام للمرأة ولا أريد أن أذكر الكثير عن هذه الحقيقة بل أشير إليها إشارة فقد أنصف الإسلام المرأة وهيأ لها أسباب الاستقرار والراحة والأمان، فأوجب على الرجل النفقة وأمره بالرعاية والقيام عليها بالراحة.

قال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِىُّ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَهِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيَّانِ.... في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم: اتَّقُوا اللَّهَ فِى النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَإِنَّ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ رواه أبو داود بسند صحيح

وحثنا الإسلام على التودد إلى المرأة وتحمل أذاها، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ. رواه مسلم

فكما أوجب على الرجل النفقة والسكن والقيام براحة الزوجة جعل القوامة له قال الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) (النساء: من الآية34).

ففضل الله الرجل بأشياء كالعقل والدين وفضلهن بأشياء كالتربية والقيام على شئون البيت وإعداد الجيل والذي يعجز عنه كثير من الرجال فجعل الله شهادة الرجل بشهادة امرأتين وذلك بحسب خلقتها وتكوينها النفسي وهي تنشغل أحيانا عن العبادة بسبب الحمل والحيض والنفاس فتمكث الليالي لا تصلي، وتفطر في رمضان وهذا لا يقدح في إيمانها لأنها تعوضه بوظائف أخر.

ولعل هذا الأمر من أقوى المداخل التي تشبث بها الكائدون للإسلام حيث قالوا إن ذلك يجرح من كرامتها وإنسانيتها، ونادوا بمساواتها مع الرجال، وهذا الزعم ناتج عن مرض في القلب وخبث في الطوية وقلة علم وضعف فقه، إضافة إلى ما تكنّه صدورهم من الحقد والعداوة للإسلام وأهله.

إن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينعت المرأة بالجنون أو السفه، بل أخبر عن حقيقة خلقتها وأن ذلك يستدعي نقصان العقل والدين مقارنة بالرجال.

ونحن عندما نقول ذلك إنما نخبر عن عموم الرجال وعموم النساء وإلا فهناك من النساء الواحدة تفضل ألف رجل بأفعالها وقد أعطى الإسلام المرأة ما لم يعط الرجل وقد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم قدرة النساء الضعيفات على سلب لبّ الرجال بما منحن الله تعالى من مكر وكيد كما قال الله تعالى: (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) (يوسف: من الآية28). فأعتقد أن هذه الصفة كرامة من الله لهن حث يستطعن ميل الأزواج إليهن حتى تدوم العشرة وتبقى الألفة

ولو رجعنا إلى الآية التي يتغنى بها بعض الرجال وسبب ورودها ومن قائلها إلى غير ذلك من أمور لاستطعنا الوقوف على الحقيقة الثابتة؛ قال ابن كثير: فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ} أي: فلما تحقق زوجها صدقَ يوسف وكذبها فيما قذفته ورمته به، {قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ} أي: إن هذا البهت واللَّطخ الذي لطخت عرض هذا الشاب به من جملة كيدكن، {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} تفسير ابن كثير - (4/ 384) فالذي قال ذلك هو العزيز حكاه الله عنه فليس الله هو الذي يصف النساء بهذه الصفة

والكيد: المكر والحيلة. {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} وإنما قال 'عظيم' لعظم فتنتهن واحتيالهن في التخلص من ورطتهن. تفسير القرطبي ـ (9/ 175) وهذه الآية لم تنزل في النساء بشكل عام، بل نزلت في النسوة اللواتي كدن ليوسف عليه السلام وقد قال العزز لزوجته: إن هذا الفعل من كيدكن أي صنيعكن، وإنه فعل عظيم.

والمعنى إن تدبير النساء ومكرهن وحيلتهن في التخلص من المشاكل عظيم لعظم فتنتهن.

أما أن كيد الرجال سابق وأنهن تعلمن من الرجال فهذا وجهة نظر نخالف الكاتب فيها لأن طبية المرأة تختلف عن طبيعة الرجل فحتى ينصفها منحها القدرة على المكر والكيد الذي بهما تحقق حقوقها فإن بعض الرجال لا يعرف للمرأة حقها فقد يظلمها فتلجأ إلى ذلك حتى تستقيم الحياة بنهما.

والخلاصة أن صفة الكيد موجود في المرأة كما هو موجود في الرجل وإن كان موجودا في المرأة أكثر لاحتياجها إليها أحيانا والله أعلى وأعلم.

        الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

 

 

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية