الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | كظم الغيظ

اليوم : الخميس 23 شوَّال 1445 هـ – 02 مايو 2024م
ابحث في الموقع

كظم الغيظ

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فكظم الغيظ صفة من صفات المؤمنين قال الله تعالى:  وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ. آل عمران

والغيظ أصل الغضب، وهما متلازمان غالبا، والفرق بينهما: أن الغيظ لا يظهر على الجوارح بخلاف الغضب، فإنه يظهر في الجوارح مع فعل ما.

قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله الكاظم إذا كظم غيظه لعجز عن التشفي فإن هذا الغيظ يرجع إلى باطنه فيحتقن حتى يصبح حقدا وعلامة ذلك دوام بغضه للشخص واستثقاله والنفور منه '.

وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ». رواه البخاري

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصِنِي قَالَ لَا تَغْضَبْ فَرَدَّدَ مِرَارًا قَالَ لَا تَغْضَبْ رواه البخاري

وعَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ كَظَمَ غَيْظًا - وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ - دَعَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ اللَّهُ مِنَ الْحُورِ مَا شَاءَ ». رواه أبو داود بسند حسن

فوائد كظم الغيظ

قال القرطبي رحمه الله في التفسير ' الغيظ هو أصل الغضب ، فإذا لم يكظم غيظه في قلبه خرج هذا الغيظ إلى جوارحه فتولد منه الغضب ، وكظم الغيظ له فوائد كثيرة منها:

1. كاظم الغيظ ينال صفة المتقين وينال جنة النعيم

2. إذا كظم المسلم غيظه قهر شيطانه وقهر شيطان من أغاظه

3. يستر الله عورة من كظم غيظه، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كف غضبه كف الله عنه عذابه ومن خزن لسانه ستر الله عورته ومن اعتذر إلى الله قبل الله عذره. رواه الطبراني بإسناد حسن

4. ينال المسلم بهذا الخلق خيرا عظيما لأنه يتصف بصفة الصبر، قال الله تعالى: { وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ }النحل126 .

5. من كظم غيظه يكون محبوبا للنبي صلى الله عليه وسلم ويمتلئ قلبه إيمانا 

كيفية كظم الغيظ وعلاج ضده

1. يتوضأ المسلم إذا غضب واغتاض، فعن عَطِيَّةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ الْغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ ». رواه أبو داود بسند ضعيف

2. إذا غضب المسلم عليه أن يغير من هيئته فإن كان قائما جلس، أو قاعدا اضطجع ، فعَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَنَا « إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ وَإِلاَّ فَلْيَضْطَجِعْ رواه أبو داود بسند صحيح.

 3. تذكر أن كظم الغيظ وصد الغضب هو وصية النبي صلى الله عليه وسلم ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصِنِي قَالَ لَا تَغْضَبْ فَرَدَّدَ مِرَارًا قَالَ لَا تَغْضَبْ رواه البخاري

4. أنه إذا غضب يقول ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم )

نماذج في كظم الغيظ ؟

1. عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ، فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَدْ أَثَّرَتْ بهِ حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَذْبَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي عِنْدَكَ؛ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ، فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ أخرجه البخاري

 2. يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من كان تقيا لم يفش غيظه، ولولا القيامة لكان ما ترون

وكان عمر يدع أشياء ليس عجزا ، ولكن خوفا من الله

3. عن ابْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ وَكَانَ مِنْ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا فَقَالَ عُيَيْنَةُ لِابْنِ أَخِيهِ يَا ابْنَ أَخِي هَلْ لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الْأَمِيرِ فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ قَالَ سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَاسْتَأْذَنَ الْحُرُّ لِعُيَيْنَةَ فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ هِيْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ فَوَاللَّهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ وَلَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ }

وَإِنَّ هَذَا مِنْ الْجَاهِلِينَ وَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عَلَيْهِ وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ رواه البخاري

4. وهذا أبو ذر رضي الله عنه كان له عبد ، فقام العبد فكسر رجل شاة ، فقال أبو ذر رضي الله عنه من كسرها ؟ قال أنا ، عمدا ، لكي أغيظك فتضربني فتأثم فقال أبو ذر رضي الله عنه والله لأغيظن من سلطك علي ، أنت حر لله ) فأعتقه رضي الله عنه .

5. وهذا عدي بن حاتم رضي الله عنه ، أتاه رجل فوقع فيه بالسب والشتم ، فلما توقف ، قال يا هذا إن كان عندك شيء فقل به قبل أن يأتي شباب الحي فإنهم إن أتوا وأنت تسب سيدهم لم يرضوا بذلك

وهكذا فإن الصبر والصفح والحلم وكظم الغيظ من أهم صفات المؤمنين وأخطرها فلا بد لكل مسلم أن يتخلق بها لكي ينال رضى الله في الدنيا والآخرة وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

        الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

 

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية