الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | قوة الصلة بالله

اليوم : الخميس 23 شوَّال 1445 هـ – 02 مايو 2024م
ابحث في الموقع

قوة الصلة بالله

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فإن الله - أكرمنا بالإيمان، فإذا عظُم الخطب، واشتد الكرب فلا ملجأ من الله إلا إليه كما يقول الله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62)} [النمل: 62]

من الذي يجيب دعوة المضطر إنه الله، ويقول الله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18) } [الأنعام: 17، 18] فهو وحده الذي يستطيع أن يكشف السوء، وقال الله تعالي: {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115)} [الصافات: 114، 115] فالله تعالى هو الذي وقف مع أنبيائه عندما سطا عليهم عدوهم فرعون وقومه لأنهما كانا معتمدين على الله تعالى فكان الفرج منه سبحانه، وقال الله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)} [الأنبياء: 87، 88].. {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)} [البقرة: 186] فإذا اعتمد الإنسان على ربه بعد الأخذ بالأسباب وجد الله قريبا منه، إذا كانت صلتك بالله قوية كان الله قريبا منك من الذي يسأل مولاه وهو قريب منه في العبادات والطاعات فلم يستجب له. وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم- ذا صدق واعتماد وتوكل على الله كان في جميع أحواله ملتجئاً إليه سبحانه فكانت صلته بالله موصولة فكان الله ناصره وحافظه.            

 ففي الطائف بعد أن لقي ما لقي من الأذى يتوجه إليه سبحانه لِيُذهِب حُزنه لقد لجأ النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى الله  تعالى وهو يتضرع إليه فعن عبد الله بن جَعْفر قال صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ إلَيْكَ أشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي وقِلَّةَ حِيلَتِي وَهَوانِي على النَّاسِ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ إلى مَنْ تَكِلْني إلى عَدُوَ يَتَجَهَّمُنِي أمْ إلى قَرِيبٍ مَلَّكْتَهُ أمْرِي إِنْ لَمْ تَكُنْ ساخِطاً عَلَيَّ فلا أُبالِي غَيْرَ أنَّ عافِيَتَكَ أوْسَعُ لِي أعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الكَرِيمِ الَّذِي أضاءَتْ لَهُ السَّمواتُ والأرْضُ وأشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُماتُ وصَلَحَ عليهِ أمْرُ الدُّنْيا والآخِرَةِ أنْ تُحِلَّ عَليَّ غَضَبَكَ أوْ تُنْزِلَ عَلَيَّ سَخَطَكَ وَلَكَ العُتْبى حَتَّى تَرْضى ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلاَّ بِكَ ) ) رواه الطبراني.

فيزول الحزن، ويقوى اليقين، ويعظم الإيمان، ويكون المسلم، أعظم قوة من كل قوى في الأرض هذا نموذج للثقه والصلة الكاملة بالله.

 نموذج آخر يوم توجه النبي-  صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر لقتال اليهود سار باسم الله وعلى بركة الله مستعينا، بقوة الله، صاح عليهم..( الله أكبر.. الله أكبر، خربت خيبر

فعن أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَزَا خَيْبَرَ فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلاَةَ الْغَدَاةِ بِغَلَسٍ، فَرَكِبَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ فَأَجْرَى نَبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ حَسَرَ الإِزَارَ عَنْ فَخْذِهِ حَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ فَخِذَ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ، قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ قَالَهَا ثَلاَثًا قَالَ: وَخَرَجَ الْقَوْمُ إِلَى أَعْمَالِهِمْ، فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ (يَعْنِي الْجَيْشَ) قَالَ: فَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً أخرجه البخاري

يأتي المدد من الله، ويتنزل النصر منه سبحانه، ويكون الثبات واليقين.. اليقين بالله- سبحانه وتعالى-، لا الالتجاء إلى أسباب الكثرة العددية، ولا إلى القوة المادية، إن كل اعتماد على غير الله فهو إلى ضياع وخراب، وكل اعتماد وتوكل على غير الله فهو إلى هزيمة قال الله  تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [الزمر: 36] بلى إن الله كاف نبيه وعباده مهما كانت قوة الكفر ويوم بدر يتوجه النبي- عليه الصلاة والسلام - إلى الله تعالى في ضراعة وافتقار: ( اللهم أنجز لي ما وعدتني‏، ‏اللهم إن تهلك هذه ‏ ‏العصابة ‏ فلا تعبد في الأرض.. ) ‏فما زال يهتف بربه ماداً يديه، مستقبلاً القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه ‏‏أبو بكر ‏فأخذ رداءه، فألقاه على منكبيه، فقال: يا نبي الله كفاك ‏مناشدتك ‏ربك ‏‏إنه سينجز لك ما وعدك.

أليس هذا التجاء في أعظم وأحرج وأحلك المواقف، وعند مواجهة الخطوب، وعند   ومواجهة قوى الأرض. فيستعين النبي - صلى الله عليه وسلم - برب الأرض والسماء، وفي الأحزاب يوم تجمع الأعداء من كل حدب وصوب. وأحاطوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبالمسلمين، في المدينة وأي خطب نال من يقين القلوب، أو نال من ثبات الأقدام، أو من همة وعزيمة أهل الإيمان ؟ كلا وكانت النتيجة {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25)} [الأحزاب: 25]. اقرأ معي قول الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (40) } [الزمر: 38 - 40]

ففي المواجهة الصبر فهو زاد المؤمنين والنصر عقبى الصابرين.

وما أروع دعاء الكرب عند اشتداد الأزمات فعن ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، كَانَ يَقُولُ، عِنْدَ الْكَرْبِ: لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، رَبُّ السَّموَاتِ، وَرَبُّ الأَرْضِ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ

أخرجه البخاري. فالتجئوا إلى الله - تعالى أخلصوا له التوجه والقصد, ليكن اعتمادكم عليه وحده كما قال الله تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54)} [الزمر: 54]

لا بد من رجعة إليه صادقة، وإنابة مخلصة ولنردد قول الله تعالي: {رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) } [الممتحنة: 4، 5] وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم – يعلمنا كيفية الرجوع إلى الله والاعتماد عليه فعن أسماء بنت عميس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاطبها فقال: ألا أعلمكِ كلمات تقوليهن عند الكرب! قالت: بلى يا رسول الله، فقال لها: قولي الله ربي ولا أشرك به شيئا رواه ابو داود

  لا بد من صدق اليقين بالله - سبحانه وتعالى -، والإيمان به سبحانه والإيمان بقضائه وقدره، والرضا والتسليم بقضائه وقدره.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ' من ملأ قلبه من الرضا بالقدر، ملأ الله صدره غِنىً وأمناً وقناعة، وفرغ قلبه لمحبته والإنابة إليه، والتوكل عليه، ومن فاته حظه من الرضا امتلأ قلبه بضد ذلك، واشتغل عما فيه سعادته وفلاحه '.

اليقين الأمر كله بيد الله النصر من عند الله، والقوة كلها لله، والعزة كلها لله.. واستمع إلى حديث ابن عباس وهو يعلمه اليقين والثقة بالله فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ رواه الترمذي بسند صَحِيح.

من كان هذا يقينه، فأي شيء يرهبه؟، وأي شيء يخيفه، وأي قوة تقهره.

قال بعض الصالحين ' ارض عن الله في جميع ما يفعله بك؛ فإنه ما منعك إلا ليعطيك، ولا ابتلاك إلا ليعافيك، ولا أمرضك إلا ليشفيك، ولا أماتك إلا ليحييك، فإياك أن تفارق الرضا عنه فتسقط من عينه ارض عن الله فهو المعطي المانع المحيي المميت هو كل شيء في حياتنا فإذا رضيت عنه أرضى عنك كل شيء وجعلك من الذين رضى الله عنهم ورضوا عنه وقال ابن القيم - رحمه الله تعالى  ' الذي يحسم مادة الخوف هو التسليم لله، فمن سلّم لله واستسلم له، وعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتبه الله له، لم يبقَ لخوف المخلوقين في قلبه موضع ؛ فإن نفسه التي يخاف عليها سلّمها إلى وليّها ومولاها، وعلم أنه لا يصيبها إلا ما كتب لها، وأن ما كتب لها لابد أن يصيبها، فلا معنى للخوف من غير الله بوجه '.ولا يكون نوع من الثبات، ولا ظهور للشجاعة، ولا بروز للحمية، إلا إذا ملأ الإيمان القلب وانسكب اليقين في النفس وكان الرضا بقضاء الله وقدره والإيمان به عظيماً فإن ذلك هو أعظم قوةٍ لا يكون معها خوف ولا يخالطها جبن بحال من الأحوال وفي التسليم أيضاً لطيفةٌ أخرى، وهي أنه إذا سلّم لله فقد أودع نفسه عنده وأحرزها في حرزه، وجعلها تحت كنفه لا تنالها يد عدو عاد، ولا بغي باغٍ عاتٍ،

وكان شيخ الإسلام ابن تيميه يقول: ' ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري أينما رحلت فهي معي.. أنا حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وخروجي من بلدي سياحة '. فلا بد لنا من قوة اليقين بالله والرضا بقضائه وقدره، وصدق التوجه إليه فهو الذي يكشف السوء وهو الذي يملك حياتنا وموتنا وكل ذلك من لطف الله بنا فيا أيها السلمون ثقوا بالله واعتصموا به وليكن ولاؤكم لله وحده واعتمادكم على الله وحده فهو الذي ينجي وينصر {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)} [آل عمران: 160] وبقدر صلتنا بالله يكون الله معنا هذا وبالله التوفيق وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

     الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

 

 

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية