الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | فعل الطاعة وفعل المعصية وعلاقتهما بالنية والإرادة

اليوم : الخميس 23 شوَّال 1445 هـ – 02 مايو 2024م
ابحث في الموقع

فعل الطاعة وفعل المعصية وعلاقتهما بالنية والإرادة

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فمما لا شك فيه أن النية من أفضل الأعمال عند الله لأنها من أعمال القلوب ولا تقبل عبادة إلا بنية طيبة.

قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ (سورة البينة آية: 5).

وعن عُمَرَ بْن الْخَطَّابِ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ. رواه أبو داود بسند صحيح.

وقال ابن المبارك: «رب عمل صغير تعظمه النية ورب عمل كبير تصغره النية».

وقال مطرف بن عبد الله: «صلاح القلب بصلاح العمل، وصلاح العمل بصلاح النية».

وقال بعض السلف: «من سره أن يكمل له عمله فليحسن نيته فإن الله -عز وجل- يأجر العبد إذا حسّن نيته حتى باللقمة».

وقال الفضيل بن عياض: «إنما يريد الله -عز وجل- نيتك وإرادتك».

وشرط قبول العمل: إخلاص العبادة لله تعالى وأن يكون على هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- قال الله تعالى: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ (سورة الملك آية: 2) أي: ليختبركم أيكم أحسن عملا، ولم يقل: 'أكثر عملا'

وإن الطاعة مع النية خير من الطاعة بدون نية وربما كانت النية في الطاعة أكمل من الطاعة نفسها فربما يصيب الطاعة شيء من الرياء والسمعة فيفسدها ولكن نية الطاعة مثاب عليها إذا عجز عنها أو حيل بينه وبينها، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالَ إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ. رواه البخاري.

وإذا هم المسلم بالحسنة فعملها كتبت عشرا، وإذا هم بالسيئة كتبت واحدة، فعن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فِيما يَرْوي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: قَالَ إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها كَتَبَها اللهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِها فَعَمِلَها كَتَبَها اللهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَناتٍ، إِلى سَبْعِمائَةِ ضِعْفٍ، إِلى أَضْعافٍ كَثيرَةٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها، كَتَبَها اللهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِها فَعَمِلَها كَتَبَها اللهُ لَهُ سَيِّئَةً واحِدَةً. رواه البخاري

والطاعة واجبة على العبد تجاه مولاه والابتعاد عن المعصية واجب أيضا ومتى يعصي الإنسان ربه؟

ربما يعصيه جهلا أو خطأ أو عمدا وتجرؤا وعلى كل الأحوال فإن الله يقبل التوبة من جميعهم لكن الذي يفكر في المعصية ويفعلها أشد جرما وعذابا ممن يفعل المعصية خطأ وجهلا ونسيانا لأن الأول يفعلها عن قصد وإرادة أما الثاني فربما يكون معذورا كحالة النسيان ولقد نسي أبونا آدم العهد وأكل من الشجرة كما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)} طه: 115

والله تعالى يقول: { إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18) } سورة النساء

قال ابن كثير: يقول تعالى: إنما يتقبل الله التوبة ممن عمل السوء بجهالة، ثم يتوب ولو قبل معاينة المَلَك لقبض روحه قَبْلَ الغَرْغَرَة.

وعن ابن عباس: مِنْ جَهالته عمل السوء.

وقال قتادة والسدي: ما دام في صحته.

وما أجمل قول ابن عطاء الله السكندري في حكمه حيث قال: ' رب معصية أورثت ذلا خير من طاعة أورثت عزا'

وفي الأثر عن بعض الصحابة ' نية المرء خير من عمله أو أبلغ من عمله'

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

     الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

 

 

 

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية