الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | آداب الزيارة والزيارات المفاجئة في الإسلام

اليوم : الأحد 26 شوَّال 1445 هـ – 05 مايو 2024م
ابحث في الموقع

آداب الزيارة والزيارات المفاجئة في الإسلام


الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فيقول الله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) النور

وزيارة المسلم لأخيه المسلم من الواجبات فعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى رواه مسلم

وعلى المسلم أن يتأدب بالآداب الشرعية ، ويلتزم بالحقوق والواجبات نحو الآخرين ، ومن هذه الآداب: آداب الزيارة، ولعلي أذكر أهم هذه الآداب:

1. استحضار النية عند الزيارة:

فعن عَلْقَمَةَ بْن وَقَّاصٍ اللَّيْثِيّ يَقُولُ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ. رواه البخاري.

فعلى الزائر أن يقصد بزيارته وجه الله تعالى، وليحذر الرياء والسمعة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ أَيْنَ تُرِيدُ قَالَ أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ قَالَ هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا قَالَ لَا غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ رواه مسلم.

2. عدم الإكثار من الزيارة :

فعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ' يَا أَبَا ذَرٍّ، زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا ' رواه الطبراني بسند صحيح، يعني زر أحياناً واقطع أحياناً أخرى.

3.  تجنب الأوقات المنهي عنها في الزيارة وضرورة الاستئذان ومراعاة الأوقات المناسبة: فعلى الزائر أن يتحين الأوقات المناسبة، قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [ النور 58 ] .

قال ابن كثير رحمه الله : ' هذه الآيات الكريمة اشتملت على استئذان الأقارب بعضهم على بعض. وما تقدَّم في أول السورة فهو استئذان الأجانب بعضهم على بعض. فأمر الله تعالى المؤمنين أن يستأذنَهم خَدَمُهم مما ملكَت أيمانهم وأطفالهم الذين لم يبلغوا الحلم منهم في ثلاثة أحوال: الأول من قبل صلاة الغداة؛ لأن الناس إذ ذاك يكونون نيامًا في فرشهم { وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ } أي: في وقت القيلولة؛ لأن الإنسان قد يضع ثيابه في تلك الحال مع أهله، { وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ } لأنه وقت النوم، فيُؤمَرُ الخدمُ والأطفال ألا يهجمُوا على أهل البيت في هذه الأحوال، لما يخشى من أن يكون الرجل على أهله، ونحو ذلك من الأعمال .

وعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ : لَقَلَّ يَوْمٌ كَانَ يَأْتِى عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلاَّ يَأْتِى فِيهِ بَيْتَ أَبِى بَكْرٍ أَحَدَ طَرَفَىِ النَّهَارِ .....[ رواه البخاري ] .

وتختلف أساليب الاستئذان من زمن لآخر ففي الزمن الغابر حيث بساطة الحياة وعدم تعقيدها كانت الزيارة بشكلها التقليدي يأتي الزائر إلى بيت المزور ويدق الباب ويستأذن ثلاثا فإن أذن له وإلا رجع ولكن هذه الطريقة لم تعد ناجحة ولا مريحة لكثير من الناس حيث كثرة المشاغل والالتزامات وتعقيدات الحياة لذا فمن الأفضل والأحوط أن لا تكون الزيارة مفاجئة بل لا بد من الاتصال وأخذ الموعد ولا ينبغي أن تكون الزيارة في  أوقات محرجة للزائر، وعليه أن يستخدم الوسائل الحضارية في الزيارة فيستأذن عن طريق الهاتف أو أي وسيلة من وسائل التواصل المعاصرة فقد لا يكون المزور متمكنا من الاستقبال أو لم يكن أهله في البيت أو لأي سبب آخر لذا فهذه وسيلة متقدمة الإسلام لا يمنعها بل تركها لحاجة الناس وكل ذلك من العرف وهو معتبر شرعا.

هذه هي السياسة العامة في الإسلام وهي وجوب الاستئذان وعدم التنغيص على رب البيت فإن اضطر المسلم إلى الزيارة المفاجئة فليزر مع كمال الأدب وحسن الأخلاق فليبدأ بطرق الباب بتؤدة ورد السلام بأدب واحترام ثم الاعتذار من صاحب البيت لهذه الزيارة المفاجئة وليقض حاجة ولا يثقل ولينصرف من غير أن يثقل على أهل البيت وعلى أهل البيت أن يستقبلوه ويقبلوا عذره ولا يكن في صدورهم حاجة غير الحب والتقدير.

4.  أن تكون الزيارة ذات فائدة:

فلا تصرف الزيارة في الضحك واللهو والعبث والقيل والقال أو في السب والغيبة والنميمة، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ، سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ، مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا، يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ، أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ. رواه البخاري.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ. رواه البخاري

وعَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ قَالَ حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « وَيْلٌ لِلَّذِى يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ ». رواه أبو داود بسند حسن

5. أن يغض الزائر بصره عن المحارم

6.  أن يجلس الزائر بإذن من صاحب البيت

7.  أن لا يتجسس أو يتلصص على المزور

8.  لا ينصرف الزائر إلا بعد الاستئذان مرة أخرى

فكما دخل البيت أولا باستئذان ، فإنه لا يخرج إلا باستئذان، وذلك محافظة على محارم البيت فعن ابن عمر قال صلى الله عليه وسلم : ' إذا زار أحدُكم أخاه فجلس عندَه ، فلا يقومَنَّ حتى يستأذنَه ' [ أخرجه الديلمي بسند صحيح.

وإذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم ، فإذا أراد أن يقوم فيسلم ، فليست الأولى بأحق من الآخرة ' .

9. الخروج مع الزائر حتى باب الدار.

فمن الأدب أن يخرج رب البيت مع الزائر وأن يشيعه حتى باب الدار، فقد زار أبو عبيد القاسم بن سلام أحمد بن حنبل ، قال أبو عبيد : فلما أردت القيام قام معي ، قلت : لا تفعل يا أبا عبد الله ، فقال الشعبي : من تمام زيارة الزائر أن تمشي معه إلى باب الدار وتأخذ بركابه . . '.

وهكذا ينبغي على كل زائر أن يتأدب بتلك الآداب وأن يرعى حق الله وحق الناس

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

           الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

 

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية