الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | الفتاوى | فتوى صلاة المرأة جالسة في الرحلة الترفيهية شيخنا ما حكم صلاة المرأة على كرسي أو تأجيل الصلاة المكتوبة بسبب رحلة عائلية على البحر أو في متنزه، بحجة أنه لا يجوز الصلاة أمام الرجال، فنجد بعض النساء يصلين على كرسي، وبعضهن لا يصلين فتقضي الصلاة عند رجوعها إلى البيت أرجو توضيح المسألة.

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى أما بعد،

فيقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء: 103]. أي مؤقتة بوقت محدد.

فالصلاة واجبة، ولها شروط كدخول الوقت، وأركانٌ كالقيام مع القدرة، فإذا دخل وقت الصلاة وجب على المكلف أن يؤديها، من بداية الوقت إلى نهايته، ولا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها إلا بسبب شرعي كالجمع بين الصلاتين لعذر شرعي.

وأفضل الصلاة ما كان في أول الوقت، فعن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلى اللهِ قَالَ: الصَّلاةُ عَلى وَقْتِها قَالَ: ثُمَّ أَيّ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الْوالِدَيْنِ قَالَ: ثُمَّ أَيّ قَالَ: الْجِهادُ في سَبيلِ اللهِ قَالَ حَدَّثَنِي بِهِنَّ، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي. [رواه البخاري (1/112) رقم 527].

 لكن إذا طرأ أمر قد يشوش على الفكر أو يذهب الخشوع فلا بأس أن يؤخر الصلاة عن أول وقتها حتى يذهب العارض.

وهناك أسباب لجواز تأخير الصلاة عن وقتها الأول كالتعب الشديد الذي يذهب الخشوع؛

وكذا النعاس الشديد؛ فعن عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لاَ يَدْرِي لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُب نَفْسَهُ. [رواه البخاري (1/53) رقم 212].

ومن الأعذار التي تبيح تأخير الصلاة عن أول وقتها المرض: قال الله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم﴾ [التغابن: 16].

وكذا مُدافعة الأخبَثَيْن (البَول والغائط): فعن عَائِشَةَ تَقُولُ سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ». [رواه مسلم (1/ 393) رقم 560].

ومنها حضور الطَّعام وهو مُحتاجٌ إليه حتى لا ينشغل بالتفكير فيه: للحديث السابق.

ومنها النوم أو النسيان: فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنْ الصَّلَاةِ أَوْ غَفَلَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ أَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرَى [طه: 14]. [رواه مسلم (1/477) رقم 684].

وكل أمر يحتاجه الإنسان مضطرا إليه فيجوز أن يؤخر الصلاة قليلا بسبب ذلك ما لم يدخل وقت الصلاة التالية.

وأجمع الفقهاء أيضا على وجوب القيام مع القدرة في صلاة الفرض، فإذا صلى القادر على القيام قاعدا بطلت صلاته في الفرض، فعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ فَقَالَ صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ'. [رواه البخاري (2/48) رقم 1117].

وصفة جلوس المعذور إذا صلى قاعداً أن يقعد بما يناسب عجزه فإن استطاع التربع فهو أولى لحديث عَائِشَةَ قَالَتْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا. [رواه النسائي بسند صحيح (3/ 224) رقم 1661].

أما صلاة النافلة فيجوز فيها القعود مع القدرة على القيام ويأخذ نصف الأجر فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ فَإِذَا أَرَادَ الْفَرِيضَةَ نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ. [رواه البخاري (1/89) رقم 400].

وهذه الأحكام التي مرت هي مختصة بصلاة الفريضة أما صلاة النافلة فالأمر فيه سعة فيجوز الصلاة على الكرسي لكنها على الأرض أفضل لأنها أقرب للسنة.

والخلاصة أنه لا يجوز للمرأة أن تصلي على كرسي وهي قادرة على القيام بحجة أنها في رحلة ترفيهية، وكذا لا يجوز تأخير الصلاة حتى يذهب وقتها وتصليها قضاء لهذا الغرض.

فيجوز للمرأة كما الرجل أن يأخذوا نصيبهم من الراحة والترفيه والاستجمام ولا حرج في ذلك، بشرط عدم تضييع الواجبات الشرعية، فمن أخذ احتياطه لرحلته فاصطحب طعامه وشرابه فلا بد أن يؤمن مكان صلاته وعبادته، وإلا يكون مقصرا، فيمكن للمرأة أن تصلي داخل المصليات الخاصة بالنساء، ويمكن للزوج أو لأحد المحارم أن يستر المرأة عند الصلاة بساتر يحيطها فتصلي من قيام فتجمع بين فضلي الدنيا والآخرة. والله أعلى وأعلم.

             الشيخ عبد الباري بن محمد خلة