الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | الذكر الجماعي حقيقة أو إلكترونيا

اليوم : الأربعاء 29 شوَّال 1445 هـ – 08 مايو 2024م
ابحث في الموقع

الذكر الجماعي حقيقة أو إلكترونيا


الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فالأصل في العبادات التوقُّف، وكل عبادةٍ لم تَرِدْ في كتاب الله ولا سُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم فهي مردودةٌ فعن عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ. رواه البخاري.

وقال الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21].

وهناك عبادات شرع لها الاجتماع؛ كالجُمَع، والجماعات ومجالس العلم؛ وهناك عبادات شُرع لها الانفراد؛ كالذِّكْر وقراءة القرآن.

والذِّكْرُ من أعظم العبادات والطاعات ويجب فيه الاتباع وعدم الإحداث.

وقد اختلف العلماء في مشروعيَّة الذِّكر الجماعي:

القول الأول: ذهب بعض متأخِّري الشافعيَّة والحنابلة إلى مشروعية الذكر الجماعي واحتجوا بأدلةٍ، منها:

1.              عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلَائِكَةً سَيَّارَةً فُضُلًا يَتَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ حَتَّى يَمْلَئُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ قَالَ فَيَسْأَلُهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ فَيَقُولُونَ جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الْأَرْضِ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيُهَلِّلُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ قَالَ وَمَاذَا يَسْأَلُونِي قَالُوا يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ قَالَ وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِي قَالُوا لَا أَيْ رَبِّ قَالَ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنَّتِي قَالُوا وَيَسْتَجِيرُونَكَ قَالَ وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِي قَالُوا مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ قَالَ وَهَلْ رَأَوْا نَارِي قَالُوا لَا قَالَ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي قَالُوا وَيَسْتَغْفِرُونَكَ قَالَ فَيَقُولُ قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا قَالَ فَيَقُولُونَ رَبِّ فِيهِمْ فُلَانٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ قَالَ فَيَقُولُ وَلَهُ غَفَرْتُ هُمْ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ رواه مسلم.

2.              عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي، أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً. رواه البخاري.

3.              عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ خَرَجَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَقَالَ مَا يُجْلِسُكُمْ قَالُوا جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ قَالَ آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ قَالُوا وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ قَالَ أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَلَّ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ مَا يُجْلِسُكُمْ قَالُوا جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ لِمَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ وَمَنَّ عَلَيْنَا بِهِ فَقَالَ آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ قَالُوا آللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ قَالَ أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ لِتُهْمَةٍ لَكُمْ إِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِكُمْ الْمَلَائِكَةَ رواه الترمذي. بسند صحيح.

4.              عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ». رواه أبو داود بسند صحيح.

القول الثاني: ذهب الحنفيَّة والمالكية والشافعي وكثير من الحنابلة إلى كراهة الذِّكْر الجماعي، وأنه بدعة وهو الراجح إن شاء الله.

قال الإمام الشافعي: 'وأَختارُ للإمام والمأموم أن يذكرا الله بعد الانصراف من الصلاة، ويخفيان الذكر، إلا أن يكون إماماً يجب أن يُتعلَّم منه؛ فيَجْهر حتى يرى أنه قد تُعُلِّم منه، ثم يُسِرُّ، فإن الله عزَّ وجلَّ يقول: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء:110]،

وقال الأَذْرَعِيُّ: 'حمل الشافعي رضي الله عنه أحاديث الجَهْر على مَنْ يريد التعليم'.

وقد أجاب هؤلاء على أدلة القائلين بالجواز بأدلة كثيرة حيث قالوا:

الأحاديث المذكورة في الاجتماع تعنى بالذكر أشياء كثيرة كمذاكرةِ العِلْم، واستماعٍ القرآن والحديث

وليس المقصود الاجتماع على الذكر بصوتٍ واحدٍ مرتفعٍ؛ قال عطاء بن أبي رباح: 'مجالس ‏الذِّكْر هي مجالس الحلال والحرام؛ أي: مجالس العلم.

وقال الطرطوشي: 'هذه الآثار تقتضي جواز الاجتماع لقراءة القرآن الكريم على معنى الدرس له، والتعلُّم والمذاكرة، وذلك يكون بأن يقرأ المتعلم على المعلم، أو يقرأ المُعَلِّم على المُتَعَلِّم، أو يتساويا في العلم؛ فيقرأ أحدهما على الآخر على وجه المذاكرة والمدارسة، هكذا يكون التعليم والتعلُّم، دون القراءة معاً'.

ومما يدل على قوة ما ذهبوا إليه أن كلمة الذكر عامة ولها معان كثيرة قال الله تعالى لهارون وموسى، لما بعثهما إلى فرعون: {وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} [طه: 42]، أي: تبليغ الرسالة.

وقال الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} [النحل: 43]؛ أي: أهل العلم

وقال الله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] أي: خطبة الجمعة.

وخلاصة القول أن هناك فرقا بين الاجتماع على الذكر، والذكر الجماعي؛ فالاجتماع على الذكر مشروع، بخلاف الذكر الجماعي فإنه غير مشروع؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: 'كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا أمروا واحداً منهم يقرأ، والناس يستمعون.

وكان عمر يقول لأبي موسى: ذكرنا ربنا. فيقرأ وهم يستمعون لقراءته'.

ولا فرق بين الاجتماع على الذكر في المساجد أو البيوت أو في المواقع الإلكترونية

وللأسف فإن بعض الإخوة والأخوات يجتمعون في ساعة واحدة وربما اتفقوا جميعا أن يذكروا بصوت واحد أو بعدد معين أو بصفة معلومة وكل ذلك محظور وليس له أصل في الشرع

ويمكن لمن يحب الخير للناس أن يذكر الأصدقاء بفضل الذكر ويحثه على ذلك لا أن يقسم عليه أن يصلي على النبي مثلا مائة مرة أو أن يذكر لفظ الجلالة كذلك وإنما يحث على ذلك فكل هذا ونحوه ممنوع.

ولعل أفضل العبادة ما كانت في الخفاء لذا امتدح الإسلام عبادة الخفاء أكثر من عبادة الجهر لما لها من أثر على إخلاص العبد ومما لا شك فيه أن الذكر إذا كان في الخفاء فإنه أفضل لبعده عن الرياء وثناء الآخرين

وأخيرا فإن الاتباع أولى من الابتداع وخير الهدي هدي نبينا محمد ﷺ

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

         الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

 

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية