الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | الثبات وتجديد النية

اليوم : الأربعاء 29 شوَّال 1445 هـ – 08 مايو 2024م
ابحث في الموقع

الثبات وتجديد النية


الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فالرباط هو الإقامة بثغر من ثغور المسلمين تقوية لهم.

وحكم الرباط: يسن الرباط في الثغور خوفا من اقتحام العدو بلد المسلمين وأجره كما ترى عظيم وإذا تعين على أناس وجب عليهم أي إذا لم يوجد غيرهم فيجب عليهم ذلك وعلى ولي الأمر أن يجعل على الثغور جنودا أقوياء ليحفظوا الحدود.

وفضل الرباط عظيم حيث إنه من أوجب الواجبات التي يفعلها المسلم فإن الجهاد في سبيل الله من أفضل الأعمال ولا يتأتى الجهاد إلا بالإعداد ومن ذلك الرباط فعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ ». رواه أبو داود بسند صحيح

وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا الْعَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الْغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا رواه البخاري

وعَنْ أَبِي صَالِحٍ مَوْلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ عُثْمَانَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي كَتَمْتُكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرَاهِيَةَ تَفَرُّقِكُمْ عَنِّي ثُمَّ بَدَا لِي أَنْ أُحَدِّثَكُمُوهُ لِيَخْتَارَ امْرُؤٌ لِنَفْسِهِ مَا بَدَا لَهُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَنَازِلِ رواه أحمد بسند حسن

وعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « كُلُّ الْمَيِّتِ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلاَّ الْمُرَابِطَ فَإِنَّهُ يَنْمُو لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيُؤَمَّنُ مِنْ فَتَّانِ الْقَبْرِ ». رواه أبو داود بسند صحيح

وعن أُمِّ الدَّرْدَاءِ قَالَتْ : أَبْشِرُوا فَإِنِّى سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « يُشَفَّعُ الشَّهِيدُ فِى سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ». رواه أبو داود بسند صحيح

وعَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ رواه مسلم

وهذا الرباط عام لا ينحصر في المجاهدين بل كل من نوى الرباط في أرض فلسطين وفي غيرها فهو في سبيل الله.

ويكون الرباط بالنية والعمل فمن أقام في بلدة من فلسطين وصبر على الجوع والحرمان وصبر على أذى الأعداء فهو مرابط في سبيل الله فعن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ رواه البخاري.

وليعلم المسلم أن الرباط والجهاد في فلسطين خير من الرباط في غيرها فعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول هذا الأمر نبوة ورحمة ثم يكون خلافة ورحمة ثم يكون ملكا ورحمة ثم يكون إمارة ورحمة ثم يتكادمون عليها تكادم الحمير فعليكم بالجهاد وإن أفضل جهادكم الرباط وإن أفضل رباطكم عسقلان رواه الطبراني بسند صحيح كما في مجمع الزوائد.

وعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ رواه مسلم

وفي رواية ضعيفة: قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس.

فهنيئا لأهل فلسطين وهنيئا لأهل بيت المقدس وهنيئا لأهل عسقلان وغزة فقد فتح الله لكم بابا عظيما من أبواب الخير ألا وهو الجهاد والرباط في أفضل البلاد وأحبها إلى الله.

ولا يجوز للمسلم أن يترك أرض الرباط ليفر إلى الدنيا لا يجوز تفريغ الوطن لنمكن المحتل من أرضنا لا بد أن نعض على فلسطين بالنواجذ ولا نترك أحب البلاد إلى الله من أجل الدنيا الفانية فمن آثر ما عند الله على الدنيا ورضى بالقليل من أجل ربه ووطنه فذلك المؤمن الحق الذي اختار ما عند الله فهذا يضاعف له أجره وإن مات أجري له ثواب عمله.

وأما دور الدعاة في هذا الوقت تجاه فلسطين فهو غرس الثقة والمحبة في قلوب الناس لفلسطين وذكر الآثار والأحاديث التي ترغب في المقام في هذا الوطن وترغب في الرباط فيه وبث الأمل في نفوس الناس وطرد القنوط واليأس من القلوب وهذا دور العلماء الربانيين.

وأخيرا لا بد من الثبات على هذا المقام في سبيل الله فنحن اليوم غرباء بين الناس فلا بد من الثبات فعن أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ رواه الترمذي بسند صحيح .

والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن لا يأمن المسلم مكر الله فعن الْمِقْدَاد بْن الْأَسْوَدِ قال: لَا أَقُولُ فِي رَجُلٍ خَيْرًا وَلَا شَرًّا حَتَّى أَنْظُرَ مَا يُخْتَمُ لَهُ يَعْنِي بَعَدَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ وَمَا سَمِعْتَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَقَلْبُ ابْنِ آدَمَ أَشَدُّ انْقِلَابًا مِنْ الْقِدْرِ إِذَا اجْتَمَعَتْ غَلْيًا رواه أحمد بسند صحيح.

وعن أبي موسى عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إنما سُمِّيَ القَلْبَ مِنْ تَقَلُّبِهِ إنما مَثلُ القَلْبِ مَثَلُ رِيشَةٍ بالفَلاةِ تَعَلَّقَتْ في أصْلِ شَجَرَةٍ يُقَلِّبُها الرّيحُ ظَهْراً لِبَطْنٍ رواه الطبراني بسند صحيح.

وما سمى الإنسان إلا لنسيانه                ولا القلب إلا لأنه يتقلب

ولا بد للمسلم أن يدعو الله دائما أن يثبت قلبه على الطاعة ولا يغتر في عبادته ولا يتكل عليها فالثبات من الله والنصر من الله وكل شيء بيد الله فعن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ رواه مسلم.

ولنكن جميعا كصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث عذبوا وأوذوا في سبيل الله فصبروا فكان عاقبة أمرهم خيرا فعَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ قَالَ شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ  فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ قُلْنَا لَهُ أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا قَالَ كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ رواه البخاري

وهكذا فإن أمر المسلم كله له خير في السراء الشكر وفي الضراء الصبر والرضى وبدأ أملنا يتصاعد من جديد برؤية بشائر النصر والتمكين التي يجريها الله على أيدي مجاهدينا في الميدان والله أسأل أن يكمل لنا نصره الذي وعد عباده المؤمنين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

        الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

 

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية