الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | ظاهرة التسول

اليوم : الأربعاء 29 شوَّال 1445 هـ – 08 مايو 2024م
ابحث في الموقع

ظاهرة التسول


سؤال: لقد لاحظت في الآونة الأخيرة ظاهرة خطيرة وهي أن يذهب بعض الناس الى اراضي ال48 لغاية التسول والمصيبة انهم يتسولون باسم غزة والجرحى وخلافة. وغالبيتهم ليسوا فقراء. وهذا الأمر ترك انطباع سيء اتجاه اصحاب النفوس الضعيفة. والأمر ليس معقد يذهب الى دكتور لا يتقي الله. يأخذ تقرير طبي مضروب وبمساعدة من هنا يذهب للسفر. شيخنا الفاضل ما الحكم الشرعي للمتسول وهو ليس في حاجة وخصوصا عندما يقول إنه من غزة ويتسول باسم الأيتام والشهداء وشكرا وفقكم الله لما فيه خير الاسلام والمسلمين

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فيقول الله تعالى: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [الضحى: 10].

قال أهل التفسير إن الآية المذكورة تحمل على السائل عن العلم وعلى السائل للصدقة، قال ابن كثير: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} أي: وكما كنت ضالاً فهداك الله، فلا تنهر السائل في العلم المسترشد. تفسير ابن كثير 6/483.

وقال الطبري: [وأما من سألك من ذي حاجة فلا تنهره، ولكن أطعمه واقض له حاجته] تفسير الطبري.

وقال القرطبي: [وأما السائل فلا تنهر، أي لا تزجره فهو نهي عن إغلاظ القول، ولكن رُدَّه ببذلٍ يسير، أو ردٍّ جميل.] تفسير القرطبي 20/101.

والتسول ظاهرة قبيحة تُسيء إلى سمعة المجتمع، حيث يظهر المتسول الذل والهوان، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يُذلّ المؤمن نفسه، فعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ) أخرجه الترمذي بسند صحيح.

وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الآفة فعن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ. أخرجه البخاري.

وقد كرم الإسلام الإنسان، وصان نفسه عن الابتذال والذل، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70].

وحرّم الإسلام المسألة على كل غني فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ. رواه مسلم.

فالمحترف لهذه المهنة القبيحة يأكل أموال الناس بالباطل، ويُطعم أبناءه من الحرام.

فالمتسول يأخذ أموال الناس بالباطل وهذا حرام وقد اعتبرته بعض القوانين الوضعية جريمة يعاقب عليها القانون.

قال الإمام الغزالي: [السؤال حرام في الأصل وإنما يباح بضرورة أو حاجة مهمة قريبة من الضرورة فإن كان عنها بدٌ فهو حرام، وإنما قلنا إن الأصل فيه التحريم لأنه لا ينفك عن ثلاثة أمور محرمة‏؛ الأول‏: إظهار الشكوى من الله تعالى إذ السؤال إظهار للفقر وذكر لقصور نعمة الله تعالى عنه وهو عين الشكوى وكما أن العبد المملوك لو سأل لكان سؤاله تشنيعاً على سيده فكذلك سؤال العباد تشنيع على الله تعالى وهذا ينبغي أن يحرم ولا يحل إلا لضرورة كما تحل الميتة‏. ‏

الثاني‏: أن فيه إذلال السائل نفسه لغير الله تعالى وليس للمؤمن أن يذل نفسه لغير الله بل عليه أن يذل نفسه لمولاه فإن فيه عزه، فأما سائر الخلق فإنهم عباد أمثاله فلا ينبغي أن يذل لهم إلا لضرورة وفي السؤال ذل للسائل بالإضافة إلى المسؤول‏. ‏

الثالث‏: أنه لا ينفك عن إيذاء المسؤول غالباً لأنه ربما لا تسمح نفسه بالبذل عن طيب قلب منه فإن بذل حياءً من السائل أو رياءً فهو حرام على الآخذ وإن منع ربما استحيا وتأذى في نفسه بالمنع إذ يرى نفسه في صورة البخلاء ففي البذل نقصان ماله وفي المنع نقصان جاهه وكلاهما مؤذيان والسائل هو السبب في الإيذاء والإيذاء حرام إلا بضرورة] الغزالي: إحياء علوم الدين

 4 / 205.

والتسول لا يجوز إلا في أحوال ثلاث قد بينها النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلَالِيِّ قَالَ تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُهُ فِيهَا فَقَالَ أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا قَالَ ثُمَّ قَالَ يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ فَمَا سِوَاهُنَّ مِنْ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا. رواه مسلم.

 وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ وَمَنْ أَنْزَلَهَا بِاللَّهِ أَوْشَكَ اللَّهُ لَهُ بِالْغِنَى إِمَّا بِمَوْتٍ عَاجِلٍ أَوْ غِنًى عَاجِلٍ». رواه أبو داود بسند صحيح.

وعن مُعَاوِيَة قال رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنَ النَّارِ». وَقَالَ النُّفَيْلِىُّ فِى مَوْضِعٍ آخَرَ «مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمَ». فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ وَقَالَ النُّفَيْلِىُّ فِى مَوْضِعٍ آخَرَ وَمَا الْغِنَى الَّذِى لاَ تَنْبَغِى مَعَهُ الْمَسْأَلَةُ قَالَ «قَدْرُ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ». وَقَالَ النُّفَيْلِىُّ فِى مَوْضِعٍ آخَرَ «أَنْ يَكُونَ لَهُ شِبَعُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ». رواه أبو داود بسند صحيح.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ. رواه البخاري.

ولا يجوز لرب الأسرة أن يجبر أفراد عائلته على التسول فالأصل أن الذي ينفق على الزوجة والأبناء والوالدين هو رب الأسرة فلا ينبغي عليه أن يعودهم على التسول وإذا طلب منهم ذلك عليهم أن يتمنعوا عن ذلك وأن يدفعوا هذا العار بقدر الاستطاعة.

وإذا دفع بعض الناس مالا لمتسول وهو يعلم عدم حاجته فلا يعد ذلك صدقة ولا تقبل منه فالذي يعطى من الزكاة والصدقة هم الفقراء والمحتاجون.

أما المتسولون القادرون على العمل والذين يتخذون التسول مهنة وتجارة فلا يعطون من المال.

وعلى المتصدقين أن لا يشجعوا هؤلاء المحتالين على أكل أموال الناس بالباطل.

وعلى ولي الأمر أن يحارب هذه الظاهرة حتى يصل المال إلى مستحقيه.

وعلى الغني الذي ينفق ماله سواء من زكاته أو صدقته أن يجتهد في أيصال المال إلى مستحقيه ولا يعطي إلا من يعلم حاجته وخاصة في هذا الزمن الذي تقدم فيه العلم وظهر فن الإدارة والإحصاء والمسح وغيره مما يساعد على معرفة الغني من الفقير.

وعليه فلا يجوز تقديم المال إلا للمستحقين ولا ينخدع المسلم المؤمن بهؤلاء المحتالين فالمؤمن كيس فطن. يقول عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لا أنا بالخب لا الخب يخدعني أي لست بالساذج حتى أخدع ولا الماكر يستطيع أن يخدعني.

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: (احترسوا من الناس بسوء الظن) رواه الطبراني بسند ضعيف.

وليعلم المسلم أن المتاجرة بدماء الشهداء والجرحى من أكبر الذنوب عند الله فلا يجوز للمسلم أن يتسول باسم الشهداء أو الجرحى لأن هذه تجارة بتلك الدماء الزكية وبقضية فلسطين العادلة وإن خدعت بعض الناس في الدنيا فلن تفلح يوم القيامة والجزاء من جنس العمل.

وأخيرا أسأل الله تعالى أن يسبل على المسلمين ثوب الحياء والعفة وأن يردنا والمسلمين إلى دينه ردا جميلا وأن ييسر للفقراء أمورهم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

   الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

 

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية