الشيخ عبد الباري بن محمد خلة | مقالات | المساعدة في قضاء حوائج الآخرين

اليوم : الأحد 11 ذو القعدة 1445 هـ – 19 مايو 2024م
ابحث في الموقع

المساعدة في قضاء حوائج الآخرين


الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

فيقول الله تعالى: ' وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) سورة المائدة.

وقضاء الحوائج باب من أوسع أبواب الخير فهو يشمل النفع المادي، ويتعداه إلى غيره من النفع بالعلم والرأي والنصيحة،

والنفع بالمشورة، والنفع بالجاه، والنفع بالسلطان.

وهنيئا لمن جعله الله مفاتحا للخير مغلاقا للشر فعَنْ سَهْلِ بن سَعْدٍ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: 'عِنْدَ اللَّهِ خَزَائِنُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، مَفَاتِيحُهَا الرِّجَالُ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَهُ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ، وَمِغْلاقًا لِلشَّرِّ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَهُ مِفْتَاحًا لِلشَّرِّ، وَمِغْلاقًا لِلْخَيْرِ'. رواه ابن ماجه بسند حسن

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ' إِنَّ لِلَّهِ أَقْوَامًا اخْتَصَّهُمْ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ، وَيُقِرُّهَا فِيهِمْ مَا بَذَلُوهَا، فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا عَنْهُمْ وَحَوَّلَهَا إِلَى غَيْرِهِمْ 'أخرجه الطبراني بسند حسن

وكان صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في عمل الخير ونفع الناس وقضاء حوائجهم

فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَقَالَ: يَا أُمَّ فُلاَنٍ، انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ، حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ، فَخَلاَ مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا. رواه مسلم

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَتِ الصَّلاَةُ تُقَامُ، فَيُكَلِّمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَ فِي حَاجَةٍ تَكُونُ لَهُ، فَيَقُومُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَمَا يَزَالُ قَائِمًا يُكَلِّمُهُ، فَرُبَّمَا رَأَيْتُ بَعْضَ الْقَوْمِ لَيَنْعَسُ مِنْ طُولِ قِيَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُ. رواه أحمد بسند صحيح

ومن الشفاعة الحسنة أن تقضي للناس حوائجهم قال الله تعالى: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85) سورة النساء.

وعَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ، قال: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا جَاءَهُ السَّائِلُ، أَوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ. قال: اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، ويقْضِي الله عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم مَا شَاءَ. رواه البخاري

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ؛كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا وَيَبْكِى وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى خَدِّهِ فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم لِلْعَبَّاسِ يَا عَبَّاسُ أَلاَ تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا فَقَالَ لَهَا النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم لَوْ رَاجَعْتِيهِ فَإِنَّهُ أَبُو وَلَدِكِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَأْمُرُنِى قَالَ إِنَّمَا أَشْفَعُ قَالَتْ لاَ حَاجَةَ لِى فِيهِ. رواه البُخاري

وقضاء حوائج الناس نوع من أنواع الصدقة وهي من أحب الأعمال عند الله تعالى فعن ابن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:' أحبُّ الناسِ إلى الله أنفعُهم للناس وأحبُّ الأعمالِ إلى الله سُرُورٌ تُدْخِلُه على مسلم أو تَكْشِفُ عنه كُرْبَةً أو تَقْضِى عنه دَيْناً أو تَطْرُدُ عنه جُوعاً ولأَنْ أمشىَ مع أخي المسلمِ في حاجةٍ أحبُّ إِلَىَّ من أن أعتكفَ في هذا المسجدِ شهرًا ومن كفَّ غضبَه سترَ اللهُ عورتَه ومن كَظَمَ غَيْظَه ولو شاء أن يُمْضِيَه أَمْضاه ملأ اللهُ قلبَه رِضًا يومَ القيامةِ ومن مشى مع أخيه المسلمِ في حاجةٍ حتى تتهيأَ له أثبتَ اللهُ قدمَه يومَ تَزِلُّ الأقدامُ وإنَّ سُوءَ الخُلُق لَيُفْسِد العملَ كما يُفْسِدُ الخلُّ العسلَ رواه الطبراني في الأوسط بسند حسن

وقضاء الحوائج سبب لمغفرة الله للعبد وسبب لرضى الله ومعونته فعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ مَنْ كَانَ في حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ في حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. رواه البُخَارِي

فهذا النبي صلى الله عليه وسلم يوصينا ويحثنا ويأمرنا بقضاء حوائج المسلمين وقد اقتدى به صحابته الكرام فكانوا من أحرص الناس على فعل الخير وقضاء حوائج الناس وكان الخلفاء والأمراء يحثون ولاتهم على ذلك

فقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يحلب للحي أغنامهم، فلما استُخلف قالت جارية منهم: الآن لا يحلبها، فقال أبو بكر: بلى وإني لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه عن شيء كنت أفعله.

وعن معمر عن عاصم بن أبي النجود أن عمر بن الخطاب كان إذا بعث عماله شرط عليهم ألا تركبوا برذونا ولا تأكلوا نقيا ولا تلبسوا رقيقا ولا تغلقوا أبوابكم دون حوائج الناس فإن فعلتم شيئا من ذلك فقد حلت بكم العقوبة قال ثم شيعهم فإذا أراد أن يرجع قال إني لم أسلطكم على دماء المسلمين ولا على أعراضهم ولا على أموالهم ولكني بعثتكم لتقيموا بهم الصلاة وتقسموا فيئهم وتحكموا بينهم بالعدل فإن أشكل عليكم شيء فارفعوه إلي ألا فلا تضربوا العرب فتذلوها ولا تجمروها فتفتنوها ولا تعتلوا عليها فتحرموها. المصنف: عبد الرزاق 11/ 324.

وقد كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ لِلنَّاسِ وُجُوهٌ يَرْفَعُونَ حَوَائِجَ النَّاسِ إِلَيْهِمْ ؛ فَأَكْرِمْ وُجُوهَ النَّاسِ، فَبِحَسْبِ الْمُسْلِمِ الضَّعِيفِ مِنَ الْعَدْلِ أَنْ يُنْصَفَ فِي الْحُكْمِ وَالْقِسْمَةِ. ابن عبد البر: المجالسة وجواهر العلم 2/282.

عَنِ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ قَعَدَ فِي حَوَائِجِ النَّاسِ، فِي رَحَبَةِ الْكُوفَةِ، حَتَّى حَضَرَتْ صَلاَةُ الْعَصْرِ، ثُمَّ أُتِيَ بِمَاءٍ، فَشَرِبَ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَذَكَرَ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ، ثُمَّ قَامَ فَشَرِبَ فَضْلَهُ وَهْوَ قَائِمٌ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ الشُّرْبَ قَائِمًا، وَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُ. رواه

البُخَارِي

وعنْ أَبِي الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ لِمُعَاوِيَةَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَا مِنْ إِمَامٍ يُغْلِقُ بَابَهُ دُونَ ذَوِي الْحَاجَةِ، وَالْخَلَّةِ، وَالْمَسْكَنَةِ، إِلاَّ أَغْلَقَ اللهُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ دُونَ خَلَّتِهِ، وَحَاجَتِهِ، وَمَسْكَنَتِهِ. فَجَعَلَ مُعَاوِيَةُ رَجُلاً عَلَى حَوَائِجِ النَّاسِ. رواه الترمذي بسند صحيح

وكان عمر يتعاهد الأرامل يستقي لهن الماء بالليل، ورآه طلحة بالليل يدخل بيت امرأة، فدخل إليها طلحة نهارًا، فإذا هي عجوز عمياء مقعدة فسألها: ما يصنع هذا الرجل عندكِ؟ قالت: هذا مذ كذا وكذا يتعاهدني يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى، فقال طلحة: ثكلتك أمك يا طلحة، أعورات عمر تتبع؟.

وكان أبو وائل يطوف على نساء الحي وعجائزهن كل يوم فيشتري لهن حوائجهن وما يصلحهن.

وقال مجاهد: صحبت ابن عمر في السفر لأخدمه فكان يخدمني.

قال الشاعر:

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبَهُم * * * فطالما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ

وكُنْ على الدّهرِ مِعْوَانًا لذي أملٍ * * * يرجو نَداكَ فإنّ الحُرَّ مِعْوانُ

واشْدُدْ يديك بحبلِ اللهِ معتصمًا * * * فأنّه الرّكنُ إنْ خانتك أركانُ

من كان للخير منّاعًا فليس له * * * على الحقيقة إخوانٌ وأخْدانُ

من جاد بالمال مالَ النّاسُ قاطبةً * * * إليه والمالُ للإنسان فتّانُ

وقال ابن القيم - رحمه الله - في وصف شيخ الإسلام ابن تيميه: كان شيخ الإسلام يسعى سعيا شديدا لقضاء حوائج الناس.

وكان علي بن الحسين - رحمه الله - يحمل الخبز إلى بيوت المساكين في الظلام فلما مات فقدوا ذلك، كان ناس من أهل المدينة يعيشون ولا يدرون من أين معاشهم فلما مات علي بن الحسين فقدوا ذلك الذي كان يأتيهم بالليل. قال الحطيئة:

من يفعل الخيرَ لا يعدم جوازيه * * * لا يذهبُ العرفُ بين الله والناسِ

وقيل لابن المنكدر أي الأعمال أفضل ؟ قال: إدخال السرور على المؤمن. قيل أي الدنيا أحب إليك ؟ قال الإفضال على الإخوان. أي التفضل عليهم والقيام بخدمتهم.

وقال وهب بن منبه: إن أحسن الناس عيشاً من حسن عيش الناس في عيشه وإن من ألذ اللذة الإفضال على الإخوان, وكان خال القسري يقول: على المنبر أيها الناس عليكم بالمعروف فإن فاعل المعروف لا يعدم جوازيه وما ضعف عن أدائه الناس قوي الله على جوازيه.

وأهل المعروف نذروا أوقاتهم لحوائج الناس فهم من المخلصين الذين يهرع إليهم المحتاجون يقفون معهم لله لا لمصلحة ولا لوجاهة إنما مرضات الله مبتغاهم فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَقِفُ الْمَوْقِفَ أُرِيدُ وَجْهَ اللهِ، وَأُرِيدُ أَنْ يُرَى مَوْطِنِي، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَتْ: { فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا، وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } [الكهف: 110]  رواه الحاكم في المستدرك بسند صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

والناس لا يطلبون حوائجهم إلا من كريم أما اللئيم فلا يصل إليه المعوزون قال أبو الأسود الدؤلي:

وإذا طلبت إلى كريمٍ حاجةً * * * فلقاؤه يكفيك والتسليم

وإذا طلبت إلى لئيمٍ حاجةً* * * فألح في رفقٍ وأنت مديم

وهكذا فإن لله أناسا خلقهم لقضاء الحوائج وجعلهم مفاتيح للخير مغاليق للشر فطوبى لهم ثم طوبى لهم تنجلي بهم كل فتنة ظلماء أولئك الأعلام التي يستنار بها في الظلمات فالله أسأل أن يهدينا للخير وأن يجريه على أيدينا وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

     الشيخ عبد الباري بن محمد خلة

 

الأكثر مشاهدة


لقمة الزقوم والقلاش ذوق الطعام من البضاعة قبل الشراء

الورع

الغفلة

الاشتراك في القائمة البريدية