الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
فيقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ }التوبة119
وعَنْ عَمَّارٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ كَانَ لَهُ وَجْهَانِ فِى الدُّنْيَا كَانَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِسَانَانِ مِنْ نَارٍ ». رواه أبو داود بسند صحيح.
قَالَ الْعَلْقَمِيّ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ عَلَى وَجْه الْإِفْسَاد جُعِلَ لَهُ لِسَانَانِ مِنْ نَار كَمَا كَانَ لَهُ فِي الدُّنْيَا لِسَانَانِ عِنْد كُلّ طَائِفَة اِنْتَهَى.
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ الَّذِى يَأْتِى هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ ». رواه أبو داود بسند صحيح
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ: ( الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ ): أَيْ آخَر وَهُوَ تَفْسِير لِذِي الْوَجْهَيْنِ.
قَالَ النَّوَوِيّ: هُوَ الَّذِي يَأْتِي كُلّ طَائِفَة بِمَا يُرْضِيهَا فَيُظْهِر لَهَا أَنَّهُ مِنْهَا وَمُخَالِف لِضِدِّهَا،
وَصَنِيعه نِفَاق وَمَحْض كَذِب وَخِدَاع وَتَحَيُّل عَلَى الِاطِّلَاع عَلَى أَسْرَار الطَّائِفَتَيْنِ وَهِيَ مُدَاهَنَة مُحَرَّمَة.
قَالَ فَأَمَّا مَنْ يَقْصِد بِذَلِكَ الْإِصْلَاح بَيْن النَّاس فَهُوَ مَحْمُود اِنْتَهَى.
مِنْ شَرّ خَلْق اللَّه ذُو الْوَجْهَيْنِ ' قَالَ الْقُرْطُبِيّ: إِنَّمَا كَانَ ذُو الْوَجْهَيْنِ شَرّ النَّاس لِأَنَّ حَاله حَال الْمُنَافِق , إِذْ هُوَ مُتَمَلِّق بِالْبَاطِلِ وَبِالْكَذِبِ , مُدْخِلٌ لِلْفَسَادِ بَيْنَ النَّاس. العظيم آبادي: عون المعبود
فالمسلم لا يكذب ويجب عليه أن يكون صادقا مع ربه ومع نفسه ومع الناس ولا يماري ولا ينافق ولا يتملق ولا يفسد بين الناس ولا يأتي هذا بوجه وهذا بوجه.
ولا يجوز الكذب إلا في أحوال نص عليه الإسلام فقد اتفق الفقهاء على جواز الكذب في أحوال منها الكذب من أجل الإصلاح فعن أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَيْسَ بِالْكَاذِبِ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ النَّاسِ فَقَالَ خَيْرًا أَوْ نَمَى خَيْرًا. رواه الترمذي بسند صحيح
وعن أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ قَالَتْ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُرَخِّصُ فِى شَىْءٍ مِنَ الْكَذِبِ إِلاَّ فِى ثَلاَثٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « لاَ أَعُدُّهُ كَاذِبًا الرَّجُلُ يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ يَقُولُ الْقَوْلَ وَلاَ يُرِيدُ بِهِ إِلاَّ الإِصْلاَحَ وَالرَّجُلُ يَقُولُ فِى الْحَرْبِ وَالرَّجُلُ يُحَدِّثُ امْرَأَتَهُ وَالْمَرْأَةُ تُحَدِّثُ زَوْجَهَا ».. رواه أبو داود بسند صحيح
وعليه فيجوز الكذب للإصلاح وللمصلح أجر عظيم عند الله تعالى والله أعلى وأعلم.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا رواه مسلم
ومن صفات المنافقين الكذب.
والكذب: الإخبار بخلاف الواقع، وهو محرم.
قال النووي: ' قد تظاهرت نصوص الكتاب والسنة على تحريم الكذب، وهو من قبائح الذنوب وفواحش العيوب، وإجماع الأمة متفقة على تحريمه '. والله أعلى وأعلم.
الشيخ عبد الباري بن محمد خلة