الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
فيقول الله تعالى: قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ [إبراهيم:31].
ويقول أيضا: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [التغابن:16].
والصدقة الجارية: هي ما يبقى نفعها بعد موت العبد، ويستمر أجره وثوابه عليه
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ صحيح رواه مسلم
قال الإمام النووي في شرح هذا الحديث: قال العلماء: معنى الحديث أن عمل الميت ينقطع بموته وينقطع تجدد الثواب له إلا في هذه الأشياء الثلاثة لكونه سببها، فإن الولد من كسبه، وكذلك العلم الذي خلَّفه من تعليم أو تصنيف، وكذلك الصدقة الجارية وهي الوقف.
وعَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ وصحيح رواه ابن ماجه بسند حسن
مجالات الصدقة الجارية
وللصدقة الجارية مجالات كثيرة لعلي أذكر بعضا منها على سبيل المثال لا الحصر:
1. سقي الماء وحفر الآبار؛ فعَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَنَّ أُمَّهُ مَاتَتْ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ فَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ سَقْيُ الْمَاءِ قَالَ فَتِلْكَ سِقَايَةُ آلِ سَعْدٍ بِالْمَدِينَةِ رواه أحمد بسند حسن.
2. بناء المساجد؛ فعن عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ بَنَى مَسْجدًا يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ بَنَى اللهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ. أخرجه البخاري
وعن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حفر ماء لم يشرب منه كبد حري من جن ولا إنس ولا طائر إلا آجره الله يوم القيامة ومن بنى مسجدا كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتا في الجنة رواه ابن خزيمة بسند صحيح
3. بناء المداريس لطلب العِلم النّافِع
4. بناء دور للمُسَافِرينَ يَنـزِلُونَ فيها
5. يورث مُصحَفًا لِيَقرَأ فيه النّاسُ.
6. الإنفاق على نشر العلم، فعَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ رواه ابن ماجه بسند صحيح
وهناك مجالات كثيرة فتحها الله تعالى لعباده المؤمنين لنيل البر والرضا من الله
فوائد الصدقة
للصدقة بشكل عام فوائد كثيرة وللصدقة الجارية فوائد تنفرد عنها فمن ذلك:
1. إن الله يدفع بالصدقة أنواعاً من البلاء حيث إن للصدقة تأثيرا عجيبا في دفع البلاء
2. الصدقة وقاية من النار.
3. إنها تطفئ غضب الرب سبحانه وتعالى.
4. في الصدقة دواء للأمراض البدنية
5. الصدقة تمحو الخطيئة، وتذهب نارها.
6. يستظل المتصدق في ظل صدقته يوم القيامة.
7. ما يصل العبد إلى حقيقة البر إلا بالصدقة قال الله تعالى: لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92].
8. الصدقة دليلٌ على صدق العبد وإيمانه.
9. بقاء الأجر ماضيا إلى يوم القيامة.
10. انتفاع فئات كثيرة من الصدقة الجارية.
11. لعل نفع الصدقة الجارية أعظم من غيرها.
وهناك كثير من الفوائد والفضائل للصدقة بشكل عام وللصدقة الجارية بشكل خاص.
والله أسأل أن يوفق المسلمين لبواب الخير والبر وأن يحيوا الحباس والوقاف والهبات والعطايا.
الشيخ عبد الباري بن محمد خلة